مقالات مرتبطة
أزمات كثيرة يتحدث عنها الفتحاويون، ولكن المشكلة الأولى صعوبة تسريب الأوراق من مخزون «الويكيليكس» المحميّ جيداً، على عكس ملفات أخرى لدى السلطة حتى الأمنية منها. وحتى لو ظهرت الأوراق، فالإنكار أبسط ردّ يعفي من المساءلة. أخيراً شاع حديث متواتر عن تورط دبلوماسي يعمل في السفارة الفلسطينية لدى بكين في قضايا احتيال بلغت قيمتها 15 مليون دولار، وهو السكرتير الأول للسفارة (م. ر.)، أحد أقرباء السفير أحمد رمضان في الصين. والقضية كما تنقلها مصادر، هي «تورطه في استيراد وبيع سيارات لمواطنين صينيين بعد استغلاله الإعفاء الجمركي الممنوح للسفارة، وجمع من ورائها ما يقارب خمسة عشر مليون دولار على مدار سنوات وفق تقديرات الجمارك الصينية».
وبينما اضطر الدبلوماسي المطلوب إلى اللجوء مع زوجته وأولاده إلى السفارة مقابل مطالبة السلطات الصينية باعتقاله والتحقيق معه، بعث رمضان إلى عباس يشكو المالكي، لأن الأخير «أرسل كتاباً يبلغ الجهات الصينية بإنهاء إقامة الدبلوماسي على كادر السفارة»، ثم ردّ رمضان بالتحذير من رفع الحصانة والقول إن «تسليم دولة دبلوماسييها لدولة أخرى واقعة غير مسبوقة في العلاقات الدبلوماسية». ولاحقاً تفاقمت الأزمة حينما تجاهلت «الخارجية» كتاب السفير وبعثت بكتاب رسمي إلى الخارجية الصينية تعلن تخليها عن الدبلوماسي المطلوب لها وإنهاء خدماته على كادر السفارة، إلى أن تدخّل عباس وأمر بترحيل الرجل وعائلته إلى رام الله.
يتمسك رياض المالكي بحقيبة «الخارجية» منذ 8 سنوات
هذه الشكاوى ليست محصورة بين المسؤولين في السلطة، وإن كانت مثالاً صارخاً على حالة الفساد والتغطية عليه. وتكفي المقارنة بطريقة تصرف عبّاس في هذه الحالة، مع تجاهله مطالبات الجالية الفلسطينية في الإمارات، التي توجهت قبل أعوام طويلة (منذ 2006) بمناشدة إليه لوضع حد لممارسات السفارة وطاقم القنصلية هناك، خاصة «فرض رسوم باهظة الثمن على أي معاملة»، كأن تحصّل على تمديد جواز السفر لمدة عام واحد مبلغاً يزيد على ثلاثمئة (300) درهم إماراتي (80 دولاراً)، وهو رقم يعادل تكلفة تجديد جواز السفر في رام الله لمدة خمس سنوات. ومنذ أكثر من عشر سنوات، ينتظر الفلسطينيون في الإمارات ردّ عباس على رسالتهم.
وقبل أعوام أقل، تحديداً في 2013، طالب «مركز الشؤون الفلسطينية» بضرورة «فتح تحقيق مستقل وتشكيل لجنة من الخبراء لتقصي حقيقة ما ورد من اتهامات وادعاءات حول بعض الممارسات والتجاوزات في السفارة الفلسطينية في هولندا، خاصة شراء مبنى جديد للسفارة في منطقة راقية، وبمبلغ من الصندوق القومي الفلسطيني (تابع لمنظمة التحرير)». وبينما لم يظهر أي رد يوضح ذلك، تشتكي الجاليات من أن بعض السفراء (كما في كندا قبل أعوام)، كانوا يعينون طاقماً محلياً من سكرتيرة وطباخ وسائقين أجرة مع التكفل بالتأمين الصحي لهم، من أجل خدمة الوزير.
«ما سبق نتائج طبيعية لحالة من الفساد في التعيين والتوظيف غابت عنها معايير النزاهة والشفافية»، يقول أستاذ العلوم السياسية عبد الستار قاسم، في حديث إلى «الأخبار». وما إن نشر قاسم مقالة في هذا الشأن أخيراً، حتى تزايدت عليه مضايقات السلطة التي كانت قد اعتقلته في وقت سابق. ويؤكد قاسم أن «العدد الكبير لسفارات السلطة التي تجاوزت في عددها ما تملكه دول غربية ومتقدمة، لم يفد القضية بشيء، بل أساءت هذه السفارات إلينا في محطات كثيرة وسبّبت أزمات سياسية مع دول عدة».
ومنذ أن اعترفت الجمعية العامة للأمم المتحدة بـ«منظمة التحرير» عام 1974 كعضو مراقب فيها، والمنظمة تنشط في إقامة ممثليات لها في الدول التي تسمح بذلك، وبلغت تلك الممثليات قرابة المائة في مختلف دول العالم. لكن لم ترتق أي من الممثليات إلى مرتبة سفارة إلا عام 1979 عندما طردت إيران السفير الإسرائيلي من طهران وسلمت تلك السفارة لـ «المنظمة»، التي زادت حركة فتح السفارات بعد قيام السلطة عام 1994.
وكان «ائتلاف أمان للنزاهة والشفافية» العامل في مناطق السلطة، قد أصدر تقريراً يقول إن «الوظائف الدبلوماسية تعاني من ضعف في الرقابة والشفافية من حيث التعيين والترقية، وتأثير العلاقات الشخصية فيها، وضعف التزام القانون الناظم لها». وأضاف التقرير المنشور في شباط الماضي، أن «وزارة الشؤون الخارجية، رغم اعتبارها واحدة من مؤسسات السلطة، فإن ممارسة التعيين والترقية للسفراء تجري خارج مؤسسات الإشراف والرقابة التابعة للسلطة، وتحديداً عند الحديث عن غياب تام للدور الرقابي الخاص بديوان الموظفين العام في ما يتعلق بالموظفين الدبلوماسيين».