ومن بين 6830 منشأة تجارية وخدماتية دمرتها الحرب الأخيرة، هناك 1500 مصنع تعمدت إسرائيل حرقها كليا. القليل منها أعيد بناؤه، لكن الغالبية تنتظر منح الإعمار كي تستطيع بدء العمل من جديد. وبرغم تأكيد وزارة الاقتصاد الوطني عدم كفاية تعويضات الحرب لأصحاب المصانع ببناء مصالحهم من جديد، يبقى هؤلاء متمسكين «بقشة الغريق».
يقول المتحدث الإعلامي باسم وزارة الاقتصاد في غزة، عبد الفتاح موسى، إن «التعويضات التي قدمتها المنح الكويتية ومجلس التعاون الخليجي لبعض أصحاب المصانع تعويضات جزئية، وربما يصلح أن يُطلق عليها اسم مساعدات».
صاحب شركة «سامكو» لصناعة الأدوية، سمير الوادية، هو واحد من الذين تعرضت مصانعهم لأضرار جزئية في عدواني 2008، و2014. يشرح لـ«الأخبار» أن مصنعه «تعرض للدمار بشكل شبه كلي في حرب 2008، وفاقت الخسائر 150 ألف دولار». ومع ذلك «لم يتلقَ سوى 30 ألف دولار». يضيف: «لقد ظُلمنا، فالتوزيع ليس عادلاً لأن هناك مصانع تلقت أضعاف ما تستحق».
المنح الخليجية لأصحاب المصانع جزئية ولا تمثل تعويضات حقيقية
في السياق، أشار «الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية»، إلى أن التعويضات الممنوحة لأصحاب المصانع لم تتجاوز نسبة 20% من إجمالي الخسائر، التي تعدت المليار دولار، فضلا على ذلك أجهز عدوان 2014 على ما تبقى من الاقتصاد الفلسطيني المحلي، وأثقله بالديون للمصارف المحلية، لأن كل المصانع التي أعيد بناؤها اعتمدت على القروض».
تدمير المصانع أتى على الحياة الاجتماعية أيضاً، ليزيد معدلات البطالة. ووفق إحصاءات اطلعت عليها «الأخبار»، فإن عشرات المصانع الكبرى استغنت عن 90% من الأيدي العاملة فيها ولم تعد تعمل سوى بثلث طاقتها الإنتاجية. وتشير إحصاءات وزارة الاقتصاد إلى أن عدوان 2014 خلّف وحده أكثر من 40 ألف متعطل عن العمل، فقدوا جميعهم وظائفهم في القطاع الصناعي، بعدما كانت المصانع تغطي ما نسبته 25% من حاجة السوق الغزية، ما يعني أن الاقتصاد المحلي فقد تداول ربع رأس المال لديه لمصلحة المنتجات المستوردة، وهو ما يدل على أن الميزان الاقتصادي للقطاع صار مختلاً ومعتمداً بنسبة 90% على استيراد المنتجات من الخارج.
هنا، يرى الخبير الاقتصادي معين رجب، أنه لا بد من إعطاء الأولوية لإعادة بناء الجسم الصناعي الذي يلبي حاجة السوق المحلية بالبضائع، لأن «هذه الخطوة من شأنها أن تعيد الأمل إلى المستثمرين الذين باتوا يرون الهجرة أفضل الحلول المطروحة أمامهم».
ومنذ بداية الانتفاضة الثانية عام 2000، تمنع إسرائيل دخول الآلات الصناعية الثقيلة وخطوط الإنتاج، ومعدات البناء والمقاولات، كالشاحنات والجرافات وحتى السيارات رباعية الدفع، وقد تسمح استثنائياً في بعض الحالات بدخول المعدات الصناعية المدنية، لكن بعد تخطي إجراءات أمنية وإدارية معقدة قد تستمر لعشرات الشهور.
في هذا الصدد، أكد رئيس «اللجنة الشعبية الفلسطينية لمواجهة الحصار»، النائب جمال الخضري، أن 80% من مصانع غزة أغلقت أبوابها نهائيا، مبيناً أن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة انعكست بصورة كبيرة على ارتفاع معدلات الفقر والبطالة المتفشية أساساً في غزة. وشرح الخضري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «معدل دخل الفرد اليومي يبلغ نحو دولارين فقط، وهي نسبة منخفضة جداً، إضافة إلى أن أكثر من مليون مواطن يعيشون على المساعدات من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) ومؤسسات إغاثية أخرى».
ورغم أن الاستهداف طاول مختلف المجالات الصناعية، فإن التركيز على استهداف مصانع الإسمنت والباطون كان الأكبر، فقد أجهزت إسرائيل على 21 مصنعاً لإنتاج الباطون وأحجار البناء من أصل 32 مصنعاً تعمل في هذا المجال. على سبيل المثال، تعمد جيش الهدو تدمير «مجمع الشركة العربية للمقاولات والصناعات الخرسانية»، الذي تأسس عام 1993، وهو من أكبر مصانع الخرسانة في غزة. وفاقت مجموع خسائر المجمع ستة ملايين دولار، فضلاً عن تسريح 200 اختصاصي وعامل. هؤلاء لن يعودوا إلى وظائفهم إلا بعد إعادة إعمار «المجمع» التي تبدو بعيدة المنال، وخصوصاً أن 60% من مصانع الخرسانة في غزة قد دمرت كليا، وينتظر أصحابها أن تصلهم عجلة الإعمار التي لم تتحرك بصورة فعلية وواسعة، وقد مضى على الحرب قرابة العامين.