ظهر الدعم الإسرائيلي للمسلحين بوضوح في معارك بيت جن
يقول التقرير المطوّل الذي يعده موظفو القوة الدولية هناك، كل ثلاثة أشهر، وهذا التقرير يمتد من تاريخ 23 شباط/ فبراير، وحتى اليوم نفسه من شهر أيار/ مايو الفائت، إن «الانتهاكات العسكرية على الجانب ألفا (أي الجانب الإسرائيلي) بلغت ما يقرب مئتي تقرير، من وجود مدفعية من عيار 155 ملم على بعد 10 كم من خط وقف إطلاق النار، إلى وجود أنظمة القبة الحديدية، وحاملات الصواريخ، داخل منطقة الـ25 كم (منطقة الحد)، التي تُعَدّ معدات عسكرية غير مصرّح بها في منطقة الحدّ، وفقاً لشروط اتفاق فكّ اشتباك القوات». التقرير الذي سبق هذا التقرير، والذي يمتد من شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي، حتى شهر شباط/ فبراير من العام الحالي، يقول أيضاً: «على جبل الشيخ، رصدت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فكّ الاشتباك خلال النصف الأول من الفترة المشمولة بالتقرير (الشهرين الأخيرين من العام الماضي تقريباً) حالات تفاعل بين قوات جيش الدفاع الإسرائيلي وأفراد من الجانب برافو (الجانب السوري الذي يسيطر عليه المسلحون). لا تستطيع قوة الأمم المتحدة التحقق من طبيعة هذه التفاعلات، التي اشتملت عادة على مشاهدة أشخاص مجهولي الهوية من الجانب برافو مع بِغال مفرَغة، تقترب من السياج التقني الإسرائيلي، وكذلك من مواقع جيش الدفاع الإسرائيلي، ثم تعود بعد ذلك إلى الجانب برافو مع البِغال المحمَّلة بحمولة مجهولة». ويتابع التقرير: «وفي 30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، رصدت قوة الأمم المتحدة لمراقبة فكّ الاشتباك أشخاصاً يتسلّمون نقّالات من جنود جيش الدفاع الإسرائيلي». وللمفارقة هنا، إن هذه النشاطات تحديداً، بحسب التقرير، كانت في الشهرين الأخيرين من العام الماضي، أي تحديداً في الأيام التي كانت المنطقة الحدودية تشهد فيها معارك استعادة السيطرة على بيت جن ومحيطها في ريف القنيطرة. وهنا يظهر الدعم الإسرائيلي المباشر للمسلحين في تلك المعارك على وجه الخصوص.
بعد فشل المشروع الإسرائيلي في الجنوب، وتهاوي دفاعات المجموعات المسلحة، وانهيارها السريع الذي يراقبه الإسرائيلي عن كثب، بات المطلب الأول والأساسي لقيادة العدو هو العودة الى اتفاق 1974 وتطبيقه. هذا المطلب أُعلن أخيراً على لسان قادة الكيان، إلا أن الحقيقة أن العدو يحضّر منذ شهور نفسه ميدانياً للعودة إلى واقع ما قبل الحرب. أولى الإجراءات المباشرة، كانت محاولة إدخال تعديلات على مهمّة القوات الدولية (UNDOF)، الموكلة مراقبة تطبيق الاتفاق، فضلاً عن رسائل صريحة أرسلها مع الجانب الروسي للقيادة السورية، يطرح فيها مسألة العودة إلى الاتفاق، ويحاول فيها تحصيل ضمانات مسبقة تقيه تداعيات معارك استعادة السيطرة على الريف الغربي لدرعا وكامل محافظة القنيطرة الحدودية. التعديلات التي حاول العدو، بالتعاون مع الأمم المتحدة، إدخالها إلى اتفاق فكّ الاشتباك، بحسب مصادر سورية مطّلعة، تمثّلت بسعي الأمم المتحدة إلى «إدخال منظومات تكنولوجية جديدة، مثل رادار بيرك لكشف عمليات التسلل، ومنظومات متطوّرة لكشف العبوات، بما يخدم المصلحة العسكرية للعدو، إلا أن القيادة السورية رفضت هذه المحاولات رفضاً قاطعاً». ويمكن الاستشهاد هنا أيضاً بالتقرير الأخير للقوات الدولية، حيث يُذكر فيه حرفياً: «استمرت عمليات التشاور مع حكومة الجمهورية العربية السورية وحكومة إسرائيل في ما يتعلق بنظام الاستشعار والتحذير، وجرت مشاركة مواصفاته مع الأطراف في تموز/ يوليو 2017. الجانب السوري أبدى رفضه لنشر المنظومة، بينما أعرب جيش الدفاع الإسرائيلي، بنحو غير رسمي، عن عدم وجود اعتراض لديه». ويشير القرير أيضاً إلى أن موظفي الأمم المتحدة عاد جزء منهم إلى معسكرهم الرئيسي في الأراضي السورية في منطقة نبع الفوار، وهم في صدد العودة إلى عدة مواقع أخرى فور سماح الظروف الأمنية.
إذاً، في عزّ مطالبة الإسرائيليين بالعودة إلى تطبيق الاتفاق بحذافيره، علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة أن القيادة السورية اتخذت ــ حالياً ــ قراراً بالعودة إلى الاتفاق، إذ عملت، بحسب المصادر، على «نقل قوات وأسلحة ثقيلة من نقاط تُعَدّ فيها مخالفة، إلى نقاط خلفية مراعاة للاتفاق». وفي التفاصيل، تقول المصادر: «الجيش منذ شهر تقريباً، حتى الآن، ملتزم الاتفاقية تماماً، إذ خرج من المنطقة المنزوعة السلاح في محيط حضر وبيت جن في الجزء الذي يسيطر عليه من الشريط الحدودي، ولكنه أبقى على وجود اللجان الشعبية المحلية منتشرة بقوّة في المنطقة، ويراعي في انتشاره خلف خط برافو بنود الاتفاقية في نوعية القوات وعددها، وعمد إلى إخلاء النقطة 71 التابعة للقوات الدولية غربي حضر، تمهيداً لعودة موظفي الأمم المتحدة إليها». هذه الإجراءات التي اتخذتها القيادة السورية تندرج ضمن سياسة «سحب الذرائع» التي يمارسها الجيش السوري في التعامل مع العدو الإسرائيلي. فالقيادة السورية الآن، بحسب ما تقوله المصادر، «غير معنية باستفزاز العدو الإسرائيلي وجرّه إلى أن يقوم بتحركات عسكرية تعوق تقدم الجيش السوري في معركة تحرير الجنوب والإمساك بالحدود، فالهدف الأول والأهم الآن، هو استكمال العملية دون منح العدو فرصة لعرقلتها أو تأخيرها».
العودة إلى اتفاق فكّ الاشتباك، بالنسبة إلى القيادة السورية، ليست أمراً مرفوضاً كلياً، بحسب ما تظهره الإجراءات التي اتخذتها القيادة في سبيل تحقيق العودة الفعلية إلى الاتفاق. وهنا تجدر الإشارة إلى أن العودة إلى الاتفاق لا تعني حكماً انتهاء التهديد الذي يشعر به العدو الإسرائيلي على تلك الجبهة، بل هو يدرك تماماً أن وجود الجيش السوري هناك يعني وجود حلفائه.