وقائع ليست، بحال من الأحوال، منعزلةً عن السياق الذي يُشنّ فيه العدوان على اليمن. فكما أن السعودية والإمارات تتطلّعان في أهدافهما غير المعلنة إلى إخضاع اليمن بانتقاص سيادته، ومنعه من الاستفادة من موارده وموقعه الحيوي، لاعتقادهما بأنه في حال تمكّن الشعب اليمني من استثمار ثرواته، فإنه سصبح منافساً قوياً للضفة الشمالية من الجزيرة العربية، فهما كذلك تتعاملان مع الشعب اليمني بالكبر والاستعلاء، وهذا ليس مقتصراً على الجبهة المضادة لهما، بل أكثر من يشكون من الإهانة والإذلال هم كبار المسؤولين الحكوميين التابعين لـ«الشرعية». ومردّ هذا التعامل هو اعتقاد كل من الرياض وأبو ظبي، أيضاً، بأنه لو أتيح لليمنيين استرداد مكامن قوتهم الذاتية، فهم لن يسمحوا لهما بالتفرد والاستعلاء عليهم، ولسوف يعملون على حيازة مكانتهم في التطور الإنساني وأخذ دورهم الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي.
ليس من باب الصدفة أن السلفيين يشكّلون قوام التشكيلات الموالية لـ«التحالف»
وليس بعيداً عن هذا السياق، عمدت دول «التحالف»، في سياسة ممنهجة، إلى قطع كل سبل الحياة عن أبناء المحافظات الجنوبية، وأبقت لهم باباً واحداً هو القتال في الجبهات الشمالية. فتم تجنيد عشرات الآلاف في تشكيلات خاصة، وتعيين قادة من «داعش» و«القاعدة» على رأس تلك التشكيلات بعدما تم استيعابهم في تسوية واضحة المعالم. ومن هنا، فليس صدفة أن يكون قادة ألوية «العمالقة» الستة بأجمعهم سلفيين حاربوا «أنصار الله» في دماج، ثم قاتلوا إلى جانب القوات الإماراتية التي دخلت عدن، وحالياً يقاتلون «أنصار الله» في جبهة الساحل الغربي. ولا يقتصر الأمر على ألوية «العمالقة»، فكل قادة ألوية «الحزام الأمني» من السلفيين، كما أن ألوية «الحماية الرئاسية» التابعة للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، والتي تم استقدام عدد منها في الأسابيع الأخيرة إلى جبهة الساحل، تشكل هي الأخرى جزءاً من أدوات استيعاب السلفيين.
أدوات زودتها الإمارات بأحدث أنواع الأسلحة الغربية، فيما أدار الضباط الإماراتيون عمليات مقاتليها، الذين كان يرفدهم شيوخٌ، وظيفتهم التحريض المذهبي، واستنساخ أدبيات «القاعدة» و«داعش» في رفع الروح المعنوية للمقاتلين، وفي التعامل مع الأسرى والمدنيين. وهو ما لا يفرق كثيراً عما جرى في كل من سوريا والعراق، حيث خرجت الفصائل المسلحة عن كل القيم الدينية والقوانين الإنسانية والدولية، واتبعت منهجاً همجياً في معاملة الأسرى، ولم تفرّق بين المدنيين والعسكريين، وأعدمت الآلاف بأبشع الصور من خلال قطع الرؤوس والصلب والإعدام حرقاً وبإطلاق النار، أو تقطيع أعضاء الجنود وهم أحياء.
المفارقة أن دولة الإمارات، التي تناصب الإسلام السياسي العداء، تعتمد في اليمن على قوى سلفية تدين بالولاء الخالص لها، وتعمل وفق برامج سياسية، وتمارس طرقها القتالية انطلاقاً من أيديولوجيتها، علماً بأن أبو ظبي كانت جرّبت الاستفادة من فصائل جنوبية غير سلفية، إلا أن هذه الأخيرة لم تثبت في المعارك لفقدانها المشروعية والدوافع والأهداف، تماماً مثلما حصل في سوريا حيث تراجعت الفصائل غير الدينية ليتصدّر «داعش» و«القاعدة» ــــ الفرع السوري (جبهة النصرة) المشهد.