هو مؤتمر سوريالي بامتياز ذاك المسمى «جنيف 2». يشبه سوريالية كبار الفنانين الذين عاشوا في مدينة مونترو السويسرية الخيالية الجمال. يأتي الوفد الرسمي السوري ليكرّس شرعية النظام ضد الارهاب، فيكتشف أن فخاخاً سعودية ودولية قد نصبت له ولحليفته إيران. يأتي وفد الائتلاف المعارض راغباً في اسقاط الشرعية عن النظام، وقد يكتشف أنّ ثمة مؤامرة دولية حيكت ضده لانهاء دوره تأسيساً لمعارضة أكثر تمثيلاً في المؤتمرات المقبلة.
الصورة هي الأهم. لا بد من صورة تجمع السلطة والمعارضة حول طاولة واحدة. مورست ضغوط أميركية هائلة لاقناع الائتلاف بالحضور بمن حضر. تفكك الائتلاف. نصفه انشق عنه. من بقي ووافق على الحضور يمثل علاقة سوريالية بين السعودية والإخوان وفريق ميشال كيلو. بات البعض هنا يطلق بشيء من الدعابة على كيلو، الشيوعي اليساري، لقب مولانا منذ أن ذهب إلى الرياض ولم يعترض على تطبيق الشريعة وهاجم الإخوان وقطر. بعيداً عن الدعابة تؤكد معلومات المعارضة أنّ الأمير بندر بن سلطان التقى كيلو مرتين، الأولى 8 ساعات حين أرسل إليه طائرة خاصة تنقله من إسطنبول إلى جدة، والثانية 4 ساعات.
قالها السفير الأميركي روبرت فورد لوفد المعارضة. اتفِقوا على من تريدون وكيفما شئتم، لكن يجب أن تحضروا. تأمل واشنطن أن تصل إلى شيء ما قبل نهاية ولاية باراك أوباما، وخصوصاً قبل انتهاء مهمة فورد. يبدو أن انتهاءها بات قريباً. لا بد من ثمن للحضور. جاء الثمن على طبق من ذهب. الأمم المتحدة قدمت الهدية. سارع أمينها العام بان كي مون إلى سحب الدعوة التي وجهها إلى إيران. جرى ذلك بضغط سعودي فرنسي، ومن بعض الأطراف وفق ما قيل في جنيف. يتعزز هذا الاعتقاد حين نعلم أن روسيا وواشنطن كانتا قد اتفقنا على توجيه الدعوة. وُضع اسم إيران على طاولة الحضور. فجأة سحبت الدعوة. كانت صفعة كبيرة للمنظمة الدولية. لا بأس، الصفعات لن تكون قليلة في مونترو وجنيف. جاءت المفاجأة الثانية من اليونان. تبيّن أن شبه احتجازها لطائرة الوفد السوري بذريعة عدم القدرة على تزويدها بالوقود ناجم عن ضغوط أوروبية على أثينا. بين مفاجأتي إيران واليونان سُرّب تقرير عما وصف بجرائم النظام ضد معتقلين قتلوا في السجون. كل هذا لإضعاف موقف السلطة واحراجها قبل المؤتمر الدولي.
قيل إن سحب الدعوة يريح إيران. ستكون حرة في عدم قبول أية نتائج. هي مهدت لذلك بتصريحات مسؤوليها أمس. سعى بان كي مون والمبعوث الدولي الأخضر الإبراهيمي إلى اقناع طهران بقبول مبادئ «جنيف 1» لتحضر «جنيف 2». تصلبت طهران. تصلبت معها روسيا. سبقهما الرئيس بشار الأسد. لا نقاش مطلقاً في صلاحيات الرئاسة أو في نقل هذه الصلاحيات إلى حكومة انتقالية. هذا خط أحمر. سيبقى كذلك حتى لو تفجر «جنيف 2».
لكن هل يمهد «جنيف 2» لإنهاء الاتئلاف؟
الاحتمال وارد. قال المسؤولون الروس صراحة لمعارضين من خارج الائتلاف: «لا تعولوا على المقطورة الأولى من جنيف، انتظروا القادم». ثمة شكوك في أن تكون موسكو وواشنطن متفقتين على تمرير المرحلة الأولى بما تيسر. ثمة وعود روسية بأن يتوسع إطار المعارضة في المراحل المقبلة. ثمة رأي آخر يؤكد أنّ النواة الصلبة لأصدقاء سوريا، التي تضمّ 11 دولة قررت أن يكون وفد المعارضة الى «جنيف 2 تحت الوصاية بحيث لا تخرج أصوات مناهضة للخط العام». يذهب معارض من خارج الائتلاف إلى حد القول: «لم نعد نثق بشيء، يبدو أن الأميركيين والروس قرروا تعويم النظام. يريدون اظهار المعارضة مفككة لكي يسهل دعم النظام ضد الارهاب في المرحلة المقبلة. كل ما بقي
شعارات».
لا ينتبه أهل مونترو إلى ما يحصل في مدينتهم. يجلسون في البيوت القرميدية السطوح يشاهدون وفوداً تأتي لتعكير هدوء المكان القائم على الجبال مقابل البحيرة الخلابة. بين مونترو وجنيف أنفاق يتقن السويسريون حفرها تحت جبال الألب الغنَّاء. كلما انتهى الزائر من نفق بدت له أشجار الشربين والسرو والصنوبر منتصبة، بين ما بقي من آخر عاصفة ثلجية. وكلما خرج الزائر من نفق يضاء المكان ببعض أشعة الشمس المطلة بخجل من خلف الغيوم، أو بانعكاس الضوء على البحيرات المفسحة بمائها لكل انواع الطيور. وحدهم المؤتمرون في «جنيف 2» لا يعرفون إلى أين سيؤدي نفق التفاوض. هل اكتمل المشهد الاقليمي والدولي لتسوية؟ أم أن في آخر النفق دماءً وناراً وتفجيرات ودماراً كي تنضج تسوية أخرى غير تلك التي يفكر فيها السوريون. يبدو من خلال الهجوم المعاكس على الأسد وإيران وحزب الله والعراق والحوثيين في اليمن أنّ الاشتباك لا يزال كبيراً.
يحسد المؤتمرون أهل مونترو على روعة المكان. هنا لم يرَ السكان مشاهد القتل الا عبر التلفزات. ربما لا يشاهدونها أصلاً كثيراً، فمهرجانات الجاز والفنون الجميلة أكثر جذباً من مجموعات جاءت للتفاوض وهي غير مقتنعة أصلاً بالمفاوضات.
9 تعليق
التعليقات
-
شكراأولا شكرا على الرد، فهذا دليل حرص على متابعة تعليقات القراء. ليس في الأمر ما يزعجني شخصيا ولكن ما يخيب أملي طمعا بالمزيد من المعلومات من شخص اعتقد أنه يعرف الكثير... كنت أتوقع أن تكشف في مقالك ما لا يسمح لك به الوقت المتلفز وهذا كل ما في الأمر. وشكرا مرة أخرى
-
الاستاذ سامي أريد أن أصدق ماالاستاذ سامي أريد أن أصدق ما يقال في معسكركم وفي معسكر المتقاتلين .. أن يٌوضع قلم كقلمك في هذه الدوامة التي لن تنتهي في الشرق بين " الممانعين" وال "المتأمركين المتآمرين" هو كوضع الكحل في الانف ، العمل الصحفي الانساني ربما يكون افضل و نقى للسريرة وللجيب أما الصحفي السياسي فليس فيه الا التحيد لجهة على حساب اخرى .. اريد ان اصدق كل ما كنت اسمعه عن المقاومة ولكن الذي يحبو في السياسة يعرف كيف صارت الامور وكيف تؤول بين غيلان العالم التي اخر ما تفكر به هو دمنا ... اللمسة الادبية في المقال مدهشو وملفتة و تذكرني ب هيرمان هسه . الادب يبقى افضل من السياسة
-
يحضرني هذه الايام ما كتبهيحضرني هذه الايام ما كتبه يوما بديع حتي: والعود مهما تقطعت أوتاره يبقى إصلاحه على العواد ضموا القلوب الى القلوب وحققوا آمال شعب بائس منقاد فالشعب يشكر كل شهم منكم يسعى الى الاصلاح والإرشاد *الى المؤتمرين في جنيف...! سلمت سوريا وسلم كل محبيها ...
-
امال خائبهمن المضحك ان البعض لازال يعلق امال واهيه وخفيفه بالفكر على نوع الاداره في امريكا ياشباب ان الامبراطوريات العظمى تزول وتهتز بالرغم من عظمة قواها العسكريه فلا بريطانيا العظمى ولا الاتحاد السوفيتي ولا حتى روما كانت ضعيفه حين بدأت ظواهر الانهيار وامريكا صدقوني ليست اشتثناء وليست امه مميزه وليست super power for ever ان زمن التغيرات بدأ وهو واضع كسطوع الشمس لكن الصراع طويل وعنيف ومرير وللاسف انه يجري على ارضنا ووقوده هو انساننا لاننا ارتضينا ان نكون ادوات لصراع الكبار ببساطه
-
إدارة أوباما ذاهبة و التاريخإدارة أوباما ذاهبة و التاريخ و المنطق يقولان أن الإدارة القادمة ستكون جمهورية و لنرى في أي جحر سيختبأ عندها الأسد و من لف لفه في الإقليم. لن يكون هناك مفاوضات مع إيران بل مطرقة على رأسها ليس إلا
-
عذرا يا أستاذ ساميمن باب المحبة والعتب لمن تحترم لا يليق بك يا أستاذ سامي أن تكرر في مقالك الصحفي ما سمعناه منك على شاشة الميادين قبل ساعات. قد تكون محكوما بوقت البث في التلفزيون/ لكن هنا على صفحات الأخبار لا أعتقد أن المكان ضاق بك إلى هذا الحد