الجانب الروسي هو من تولّى المفاوضات مع عناصر «داعش» في مخيم اليرموك
وعن السياق الزمني للعملية، ترجّح بعض المصادر السورية أن تكون «قد استُكملت من مدة قريبة، وخصوصاً أنه رُصدت أخيراً تحركات للقوات الروسية في المخيم». وتعزز هذه الرواية المعلومات الواردة من الجانب الإسرائيلي، والتي تشير إلى أن العملية تمت ببطء وسرية تامة، وعلى مراحل؛ كان آخرها منذ فترة وجيزة. وفي هذا السياق، تذكر صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية أن العملية «توقفت في منتصف أيلول/ سبتمبر، عندما تعثرت علاقة إسرائيل بروسيا بسبب الإسقاط العرَضي لطائرة عسكرية روسية في سوريا، ثم استُكملت ببطء»، كاشفة أنه «تم نقل أكثر من 20 قطعة من البقايا، ولم يتم التعرّف من خلالها إلا على الجندي باومل حتى الآن». وتبين، نقلاً عن العقيد (أ)، مسؤول العملية في الاستخبارات الإسرائيلية، أنه تم التعرف بداية (قبل تحليل الحمض النووي) إلى الجثة من خلال «الحذاء الذي تم التعرف إلى بصمة الجيش الإسرائيلي فيه (...) ومن خلال الملابس العسكرية التابعة لقوات جيش الدفاع الإسرائيلي المدرّعة (...)»، وكذلك «الكتابة على ظهر الجندي باللغة العبرية، والتي تم الحفاظ عليها بشكل مثير للدهشة».
على مستوى الدور السوري الذي تدّعيه موسكو في العملية، والذي كرّر الحديث عنه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أول من أمس، بقوله إن «شركاءنا السوريين ساعدوا في العثور على رفات (الجندي الإسرائيلي القتيل) زخاريا باومل»، يمكن استرجاع مضمون المؤتمر الصحافي الذي عقدته وزارة الدفاع الروسية بعد حادثة إسقاط طائرة «إيل - 20» الروسية فوق السواحل السورية، في أيلول من العام الماضي. حينها، قال المتحدث باسم الوزارة، إيغور كوناشينكوف، ما نصّه: «توجّه الجانب الإسرائيلي إلى روسيا بطلب العثور على جثامين العسكريين الإسرائيليين وفق الأبعاد المحدّدة في أراضي سوريا. بدأت أعمال البحث، بعدما توصلت روسيا إلى الاتفاق بشأن البحث عن جثامين العسكريين الإسرائيليين مع الشركاء السوريين على مستوى عملياتي». هذا التعبير الأخير، أي «مستوى عملياتي»، يشرحه مصدر عسكري سوري رفيع المستوى بالإشارة إلى وجود «تنسيق بين العسكريين السوريين والروس لتأمين الحماية والنقل، ولأخذ العلم بوجود قوة روسية في مكان ما، وهذا لا يعني معرفة الجانب السوري بطبيعة المهمة الروسية وتفاصيلها، ولا مشاركته فيها بالتأكيد». إفادة تتسق وما ذكره وزير الإعلام السوري، عماد سارة، في حديث تلفزيوني، من أن «الدولة السورية أساساً لا علم لها بوجود رفات لأي جندي إسرائيلي في أي مكان في سوريا، وإلا لكانت تصرّفت بما تقتضيه مصالحها الوطنية، وهذا ما اعتادت عليه».
التعليقات السورية على الحدث تأتي لتعزز طابع الصلف الذي وسم الخطوة الروسية، كاشفاً عن استخفاف بمشاعر السوريين وصورة دولتهم. على أن هدية بوتين لرئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، ليست خارجة عن سياق طويل من التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات بين روسيا وإسرائيل، في ما يتعلق بالملف السوري، على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية. إذ إن موسكو عملت دائماً ولا تزال بما يخدم أهدافها، ساعية في تأمين حماية مصالح إسرائيل الاستراتيجية عموماً، والتكتيكية أحياناً، عبر الضغط على السوريين وحلفائهم، واستغلال نفوذها وحضورها الضروري في هذا البلد. والدلائل على ذلك كثيرة، بدءاً من الجنوب السوري، حيث انسحب حلفاء دمشق بشكل معلن بناءً على طلب روسي لتجنب التصعيد مع إسرائيل، فيما انتشرت الشرطة العسكرية الروسية على طول الحدود مع الجولان المحتل بشكل مواز لنقاط انتشار القوات الدولية (UNDOF)، وليس انتهاءً بدفع الحلفاء أنفسهم إلى نقل حركتهم من مطار دمشق إلى مطار الشعيرات العسكري في ريف حمص، بحجة سحب الذرائع التي تستغلها إسرائيل لاستهداف مطار العاصمة.