يبدو أن الحوار الذي تبحث عنه المعارضة مع المؤسسة العسكرية صعب المنال
وعلى رغم وجود تراجع طفيف في أعداد المتظاهرين، إلا أن استمرار الزخم الميداني بفعل تواصل التعبئة يشير إلى إمكانية تغيير المؤسسة العسكرية لموقفها في أي لحظة، بالنظر إلى موازين القوى التي تميل بوضوح إلى الشارع ومطالبه. ذلك أن الجيش، مع رمزيته العالية لدى الجزائريين، يبقى غير قادر على فرض خيارات «انتحارية»، كالذهاب في اتجاه انتخابات رئاسية قد تؤدي إلى التصادم مع الشارع. وقد أثبتت تجربة الحراك القصيرة أن قيادة الجيش تحاول في كل مرة اختبار الأوضاع، ولا تتردد في الانقلاب على مواقفها كلما اقتضت الضرورة. ففي البداية، كان أحمد قايد صالح ماضياً بنحو واضح في مشروع الولاية الخامسة للرئيس السابق، ووصف المتظاهرين بـ«المُغرَّر بهم»، ثم سحب هذا الوصف وتماهى تماماً مع مطالبتهم برحيل بوتفليقة.
وعلى هذا الأساس، يُمكن فهم مواقف الكثير من أحزاب المعارضة، التي تبقى حذرة إزاء مواقف الجيش، وترفض تماماً انتقادها، تحسباً لتغيرها في أي لحظة باتجاه الانحياز إلى ما يريده المتظاهرون. ويؤشر على ذلك بوضوح موقف علي بن فليس، وهو أبرز منافسي الرئيس السابق، والذي يُحاول بنحو ناعم دفع المؤسسة العسكرية إلى الابتعاد عن «راديكاليتها» في رفض أي حلّ سياسي للأزمة. إذ قال بن فليس، في تعليقه على خطاب رئيس الأركان الأخير الذي وردت فيه كلمة «الحوار»، إن «الانسداد الحالي واضح المعالم والأركان، وهو نتاج تعارض عميق وتباعد صريح بين مسار مبني على أساس تطبيق حرفي وحصري للمادة 102 من الدستور (الرئاسيات التي يدفع نحوها الجيش)، والمطالب المشروعة المُعبَّر عنها من طرف الثورة الديمقراطية السلمية التي يعيشها البلد». وبيّن بن فليس، من وجهة نظره، شروط «الحوار الناجع» الذي لا يكون مع رموز النظام السابق في الرئاسة والحكومة، معتبراً أن «أي حوار هادف وواعد وموجه نحو البحث عن حل فعلي وسريع للأزمة، ينبغي أن يتخذ موضوعاً محورياً وعلّة وجود سدّ هذا التعارض والتباعد (الحل الدستوري الحصري والمطالب الشعبية). وعليه، فإن حواراً بهذه الميزات والمواصفات يقتضي مخاطبين ذوي صدقية وثقة، كما يتطلب وضع أطره الدقيقة، ورسم أهدافه المتوخاة، وتشخيصها بكل وضوح». غير أن هذا الحوار الذي تبحث عنه المعارضة مع المؤسسة العسكرية باعتبارها صاحبة السلطة الفعلية، يبدو صعب المنال، في ظلّ عدم تجاوب قيادة الجيش مع كل الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي تصلها من شخصيات في المعارضة. ويضع الفريق قايد صالح مهمة إجراء الحوار على عاتق المؤسسات المدنية الحالية (الرئاسة والحكومة)، وهو ما ترفضه في المقابل المعارضة، ما يرجّح تواصل حالة الانسداد لأسابيع مقبلة.