تظهر العمليات الجديدة عجز السلاح الأميركي
قد تكون المرة الأولى التي تقارب فيها صنعاء أهدافاً مدنية بهذا الحجم، إلا أن مصادر معنية في القوات اليمنية، تشدّد في حديث إلى «الأخبار»، على تبرير «مشروعية» هذه الأعمال، عازية ذلك إلى «التحذير الذي قدّمه الناطق باسم القوات المسلّحة، العميد يحيى سريع، بضرورة تجنّب المدنيين المطارات والمنشآت الحساسة في دول العدوان»، من جهة، ومن جهة ثانية كونها الورقة الأخيرة الناجعة للمواجهة بعد أربع سنوات من الحرب لم توفّر شيئاً في البلاد كما تؤكد الأرقام، آخرها التقرير الذي نشرته منظمة «يونيسف» التابعة للأمم المتحدة، قبل أيام، ويفيد بوفاة أمّ و6 مواليد كل ساعة في اليمن.
تحوّل كمّي ونوعي في صناعة رد الفعل اليمني
منذ عملية «التاسع من رمضان»، لم تهدأ المبادرات العسكرية اليمنية باتجاه السعودية، منها ضرب مخازن أسلحة ورادارات وغرف تحكّم في قاعدة «الملك خالد» الجوية في خميس مشيط بعدة طائرات «قاصف k 2»، واستهداف مرابض ومحطات الطائرات بلا طيار في مطار جيزان بصورة مشابهة، فضلاً عن الهجوم الواسع في نجران، والذي أسفر عن سقوط 20 موقعاً سعودياً في 72 ساعة، ولم تنجح 75 غارة جوية في إيقافه. تصعيد بات يعطي انطباعاً عن تحوّل في صناعة رد الفعل اليمني على الحملة السعودية الإماراتية، ينتقل بالعمليات العسكرية اليمنية، كماً ونوعاً، وبطبيعة أهدافها، تكتيكياً واستراتيجياً، إلى مستوى مختلف باتت فيه العمليات «النوعية» شبه يومية، بعدما كانت أسبوعية أو شهرية حتى. وصارت هذه العمليات تتّسم بالمبادرة والحرص على الإيلام، ومرشحة لأن تصنع في حال استمرارها توازناً لا ترغب به السعودية ومن خلفها الولايات المتحدة. «الأسوأ» بالنسبة لهؤلاء ليس فقط تكشّف الواقع «المعاكس» تماماً لأهداف الحرب بعد سنوات، بل أيضاً تظهير فشل السلاح الأميركي وعجز تقنيات «الحماية» ومنظوماتها في الميدان عن صدّ هذا النوع من الهجمات المعتمدة على تقنيات كالطائرات المسيرة، وترسانة صواريخ تزداد كمّاً ودقّة وفاعلية ومدى، وتعصى في الوقت نفسه على محاولات التدمير والعرقلة رغم الحصار المحكم وتقنياته.
هجوم أبها هو ثالث استخدام لهذا النوع من الصواريخ
تحذّر مصادر عسكرية من أن «كل المطارات في السعودية والإمارات في دائرة الاستهداف حتى فتح مطار صنعاء»، مؤكدة أن لديها «القدرة على تنفيذ التهديد». وتوضح المصادر أن المستهدف هو برج مطار أبها الذي ضُرب وتعطّل، وليس قاعة المطار كما أشارت السلطات السعودية، لكنها تتكتّم على نوعية الصاروخ، مكتفية بما نشر حول نوعيته: «كروز» (مجنّح) بمدى 2500 كلم. وتضيف: «فلتأخذ قوى العدوان وقتها في فحص بقايا الصاروخ، ونحن قد نعلن لاحقاً تفاصيله في الوقت المناسب». إلا أن البحث في أرشيف القوات اليمنية يظهر عمليتي إطلاق سابقتين على هجوم أبها لهذا النوع من الصواريخ؛ الأولى «تجريبية»، والثانية استهدفت في عملية أحيطت بالتكتّم الشديد مفاعل براكة النووي في أبوظبي، عام 2017.
الطائرات المسيرة وترسانة الصواريخ تزداد كمّاً ودقّة وفاعلية ومدى
اللافت أن القوة الصاروخية اليمنية كانت عرضت مشاهد لإطلاق صاروخ «كروز»، تظهر رغم عدم وضوحها التام معالم التقنية العالية لهذا النوع من الصواريخ، الذي يبدأ عملية التحوّل ـــ بعد إطلاقه ــــ إلى ما يشبه طائرة صغيرة بطول حوالى 5 أمتار، تحمل رأساً متفجّراً يصل أحياناً إلى أكثر من 400 كلغ، ويتخلّص بعد ثوان من الإطلاق من محرّكه الداعم. ومن خصائصه القدرة على المناورة والتسلّل والملاحة الذاتية، والارتباط بنظام الأقمار الصناعية «GPS» ما يمنحه دقّة إصابة الأهداف بمطابقتها مع صور في برنامجه الحاسوبي بهامش خطأ يقدّر بأمتار فقط (يقدّرها البعض بـ 10 أمتار). ويعدّ نجاح القوات اليمنية في استخدام هذا الصاروخ بعيد المدى وبطيء السرعة في الأراضي السعودية إنجازاً لجهة تسلّله عن أعين الرادارات ومنظومات الدفاع الجوي الأميركية المتطورة، وكذلك لكون هذا النوع من الصواريخ يواجه مشكلة في الطبيعة الصحراوية، وهو ما صعّب على الأميركيين مهمة قصف بغداد بـ«التوماهوك» إبان «عاصفة الصحراء»، واضطرهم أحياناً إلى إطالة المسافة تحاشياً للأراضي الصحراوية.
«أنصار الله»: لا علاقة لإيران
أعادت عملية أبها مشهد الاستنكار الإقليمي والدولي لهجوم خط أنابيب النفط السعودي، إلا أن مصدراً قيادياً في «أنصار الله» لم يتوقّف عند هذه التصريحات، مقابل ما يؤكد أنه «حق مشروع» تقابل به صنعاء الرياض «بالمثل». لكن المصدر يشير لـ«الأخبار» إلى أن كل عمليات الربط السابقة والحالية مع ما يحدث في الإقليم، وملف إيران تحديداً، لن تنجح هذه المرة، وذلك لأن «تهديدنا سبق العملية، ولتجرّب دول العدوان إذا أوقفت حصارها لمطاراتنا فستتوقّف هذه الهجمات... وإذا لم تفعل ستواجه ردّنا المشروع حتى لو اتفقت الدول الخليجية مع إيران وانتهت تلك الأزمة». ويبقي المصدر الباب مفتوحاً على احتمالية تكرار هجمات مماثلة، لافتاً إلى أن إغلاق المطارات اليمنية (ليس فقط مطار صنعاء، كون الاعتداء يلحق مطارَي عدن وسيئون كذلك عبر الإغلاق المتقطّع) قد بلغ حداً «لا يمكن السكوت عليه» لما له من آثار سلبية على الملف الإنساني، محمّلاً الرياض وأبو ظبي «مسؤولية التصعيد، للتعنّت في رفض أن يشمل اتفاق السويد ملفات أخرى غير الحديدة، كوقف إطلاق النار وفتح المطارات». ويسخر المصدر من التعليقات السعودية الرسمية التي تعزو العملية إلى الحرس الثوري الإيراني، بالقول «إنهم حرس مطار صنعاء!».