إعلان قوى المعارضة أن النتيجة «مزورة» يفتح الباب أمام مشهد جديد في البلاد
يبدو من خلال النتائج، أن المنافسة التي كانت متوقعة بين ولد الغزواني، الذي كان في السابق قائداً أعلى للقوات المسلحة ووزيراً للدفاع، وولد بوبكر، المدعوم من حزب «تواصل» الإسلامي وحزبَي «حاتم» و«المستقبل»، وكذلك بعض الشخصيات، مثل رجل الأعمال محمد ولد بوعماتو (قاطن في الخارج)، لم تحصل، في ظلّ حديث عنها استند إلى أن لكل واحدٍ منهما تاريخاً طويلاً في نظام الحكم، وأن كليهما متساويان في القرب من «الدولة العميقة». كما كان يُطرَح احتمال المنافسة بينهما، انطلاقاً من أن شعبية مرشحي المعارضة (ولد مولود، بيرام، كان حميدو بابا) هي لصالح ولد بوبكر، علماً بأنه ليس من قوى المعارضة السياسية، ولكنه بدا كذلك بسبب النقد الذي عبّر عنه تجاه النظام الحاكم، ما جعله قريباً من خطاب المعارضة، الأمر الذي جعل منه بالنسبة إلى أولئك المرشحين حليفاً. لكن النتائج أظهرت أن ولد بوبكر لم يكن هو المنافس الأبرز من بين هؤلاء، إذ تقدّم عليه بيرام الداه أعبيد، الذي يتزعم حركةً مناهضة للعبودية، ويعتبرُ قيادياً مدافعاً عن الأرقاء السابقين وحقوقهم.
ولعل الأهم في حديث المنافسة بين المترشحين، أن كلّاً منهما يمثل اتجاهاً فكرياً وسياسياً متناقضاً مع الآخر، في ظلّ أزمة بين النخبة الحاكمة والإسلاميين في موريتانيا ــ على غرار دول عربية أخرى ـــ منذ ما يسمى «الربيع العربي» عام 2011، حين انقلب الرئيس عبد العزيز عليهم، بعدما شهدت ولايته الرئاسية الأولى تقارباً معهم. وقد عزز هذا الحديث علاقة الرئيس المرتقب، ولد الغزواني، بالمحور الإقليمي المناهض لما يسمى «الإسلام السياسي» في المنطقة، لا سيما الإمارات، التي احتفت بترشيحه بقوة، حتى إن صحيفة «الاتحاد» الإماراتية وصفته (في عددها الصادر بتاريخ 10 شباط/ فبراير الماضي)، بأنه «طوق النجاة ورجل المرحلة»، معتبرة فوزه «استمراراً لمشروع الأمن والديمقراطية والتنمية ومحاربة الإرهاب، الذي أسسه صديقه الرئيس» السابق ولد عبد العزيز، الذي لم يُخف انحيازه إلى محور الرياض وأبو ظبي، حين عمد إلى قطع العلاقات مع قطر مع بدء الأزمة الخليجية عام 2017، من دون عرض المسألة على البرلمان، قبل أن يتراجع عن الخطوة إثر ضغوط شعبية رافضة للاصطفاف الإقليمي، وإقحام البلد الذي حافظ على علاقة متوازنة مع الدول العربية، في أزمة لا شأن له بها.
وكما كان ولد عبد العزيز لا تخفى علاقة مرشحه ورفيق دربه في الانقلابات، ولد الغزواني، في أبو ظبي، إذ زارها مرات عدة آخرها قبيل إعلان ترشيحه للرئاسة، بعدما كان إبان قيادته للأركان العامة للجيش قد عزز التنسيق العسكري بين موريتانيا والإمارات في منطقة الساحل، وأنشأ كلية للدفاع في نواكشوط أطلق عليها «كلية محمد بن زايد للدفاع الجوي». وهنا، يشير الباحث الموريتاني، عبد الرحمن ولد غده، إلى أن الإمارات تمكنت خلال سنوات حكم ولد عبد العزيز من مدّ نفوذها إلى كل مفاصل الدولة، لا سيما المؤسسة العسكرية، التي انخرطت في استعراضات لصالح الإمارات، من بينها مشاركة الغزواني مع ولي عهد أبو ظبي، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والمشير خليفة حفتر، في تدشين قاعدة محمد نجيب العسكرية المصرية في تموز/ يوليو عام 2017.
وبعد معارضة داخلية، وأخرى خارجية من الولايات المتحدة وفرنسا، لاتجاه محمد ولد العزيز لتغيير مواد الدستور بهدف فتح الباب أمام ترشحه لولاية ثلاثة، قرّر الرئيس، الذي يحكم البلاد مند العام 2008 (بعد انقلاب أطاح بسيدي محمد ولد الشيخ عبد الله، أول رئيس مدني منتخب)، بشكل مفاجئ، الالتزامَ بالدستور وعدم الترشح. وقد ذكرت تسريبات إعلامية في حينها (قبل إعلان القرار بالتزامن مع زيارة له إلى أبو ظبي) أن ثمة ضغوطاً إماراتية دفعته إلى ذلك، حفاظاً على مصالح الإمارات في البلاد، وتمهيداً لولد الغزواني، الذي ينحدر من أسرة مشيخة صوفية، لإكمال «المسيرة» بسلام، وترسيخ نفوذ أبو ظبي في البلد الذي تغلغلت في الأخيرة على مدار العقدين الماضيين.