ترى تركيا ومحورها الأمر كانتصار مهم ضمن صراعها الإقليمي حول النفوذ
وبينما كان التركيز منصبّاً على معركة المطار، أطلقت قوات «الوفاق» عملية مباغتة الأربعاء الماضي للسيطرة على غريان التي تقع جنوب غرب العاصمة، وهي أكبر مدن الجبل الغربي، وسيطرت عليها قوات حفتر عبر صفقة مع تشكيلات عسكرية داخلها قبل مدة من الهجوم. ونظراً إلى طبيعتها الجبلية المحصّنة وإطلالها على الحدود الجنوبية للعاصمة، صارت المقرّ الرئيسي للتخطيط. عملية استرجاع غريان مثّلت مفاجأة لقوات حفتر، إذ تزامن دخول قوات من خارج المدينة مع تحرّك خلايا نائمة داخلها وغطاء جوّي وفّرته الطائرات المسيّرة التركية. ففي أقل من يوم، انسحب جيش حفتر من مواقعه داخل المدينة على نحو غير منظم، تاركاً وراءه عتاداً مهماً يشمل غرفة العمليات الرئيسية الموضوعة داخل حافلة، وثلاث طائرات مسيرة إماراتية وصواريخ أميركيّة مضادة للدروع تعود أيضاً إلى الجيش الإماراتي، وعشرات الأسرى.
لا يمكن فصل إجراءات محور شرقي البلاد التصعيدية تجاه تركيا عن سقوط غريان الذي لم يكن ليتحقّق من دون دعم أنقرة العسكري. ومباشرة بعد سقوط المدينة، كشفت قوات حفتر عن مدى الدعم التركي لقوات «الوفاق»، إذ نشر موقع موالٍ لهذه القوات (يتلقّى دعماً إماراتياً) وثائق حول 16 خبيراً عسكرياً تستعين بهم «طرابلس»، أغلبهم أتراك، ويعملون على إدارة الطائرات التركية المسيّرة إضافة إلى المشورة، وقد ظهر بعضهم سابقاً في أشرطة فيديو وهم يدرّبون على تشغيل عربات مدرعة استقدمت من تركيا. مع ذلك، يمثّل سقوط غريان في يد «الوفاق» نقطة انعطاف في مسار النزاع الليبي، حيث لم يبقَ تحت سيطرة قوات حفتر سوى مدينة ترهونة الجبلية (جنوب شرق العاصمة) وتمركزات في بعض الأحياء على الأطراف الجنوبية لطرابلس. أما صبراتة وصرمان اللتان يسيطر عليهما، غرب العاصمة، فصارتا معزولتين، وتبذل «الوفاق» الآن جهوداً عسكرية ومفاوضات اجتماعية لمحاولة استعادتهما.
هكذا، ترى تركيا ومحورها الأمر كانتصار مهم ضمن صراعها الإقليمي حول النفوذ، لكن يمكن أن يتطور الوضع في اتجاه تقديم الإمارات ومحورها دعماً أكبر لحفتر، ما سيخلق دائرة مفرغة من التسليح المتبادل. في الأثناء، يمكن لبعثة الأمم المتحدة أن تستغل اختلال التوازن الحالي للدفع في اتجاه وقف لإطلاق النار واستعادة المسار السياسي، لكن ذلك يبقى مشروطاً بتحصيل دعم من مجلس الأمن والدول الكبرى.