أما ما حدث مساء أول من أمس، فيمثّل دمجاً لاستراتيجيّتين، بعدما تجاوز الأمر هذه المرة مجرد نشر شائعات على نطاق واسع، إذ تمّت قرصنة الصفحة الرسميّة الموثّقة للمجلس الرئاسيّ لـ«الوفاق»، وبُثّ منها خبر جاء على صورة بيان استقالة. ورد في الاستقالة، التي حملت الشكل الاعتياديّ لبيانات الحكومة، أنّ «المجلس الرئاسيّ... يجد نفسه مضطراً أمام مسؤوليته التاريخيّة أمام الله والشعب إلى تقديم استقالته من مهماته... لحقن دماء الليبيّين، ومنع تغوّل الجماعات المسلحة التي ارتبط بعضها بالإرهاب والتطرف وعصابات سرقة المال العام». إضافة إلى ذلك، أعلن البيان المزور «تسليم مقاليد الحكم التنفيذيّة للحكومة الليبيّة المؤقتة (تسيّر شرق البلاد)، برئاسة السيد عبد الله الثني، كما يعلن تسليمه لما سعى إليه من ترتيبات أمنيّة للقوات المسلحة الليبيّة، بقيادة المشير خليفة حفتر».
تناقل الإعلام الإماراتي والسعودي البيان رغم النفي الرسمي السريع
سريعاً، تلقفت قناة «العربيّة» السعودية الخيط، ونشرت البيان على موقعها وصفحاتها وبّته على شاشتها. كما تناقلت البيان مواقع وتلفزات إماراتيّة وسعوديّة أخرى رغم ورود نفي رسميّ للاستقالة بعد وقت وجيز، ما يعطي انطباعاً بأنّ الأمر مُنسّق منذ البداية. وواضح أن الهدف من نشر البيان المزيّف إحداث ارتباك داخل التحالف الذي تقوده «الوفاق» قد يفضي إلى ارتخاء في الجبهات. لكن يوجد هدف أبعد نظراً يعمل عليه محور حفتر منذ مدّة، وهو ضرب رصيد الثقة بين «الوفاق» وداعميها تدريجياً، عبر اختلاق أزمات وتضخيم الخلافات على نحو منهجيّ. ولا يعني ذلك غياب المشكلات الفعليّة داخل محور غرب ليبيا، لكن هجومات محور حفتر تهدف إلى تعزيز الشكوك وإعطاء انطباع عام بأنّ الوضع على وشك الانفجار من الداخل.
في المقابل، يوجد مستوى آخر للدعاية الإعلاميّة يجري على الصعيد الدوليّ، وتتفوّق فيه «الوفاق الوطنيّ». ففي الأشهر الأخيرة، نشر رئيس الحكومة، فائز السراج، وعدد من وزرائه، مقالات في صحف أميركيّة وأوروبيّة تدافع عن وجهة نظرهم، كما يميل عدد من الخبراء حول ليبيا إلى دعمهم ضدّ حفتر سواء لأسباب أيديولوجيّة أو ماديّة. وفي واقع الأمر، يرتبط الظهور في وسائل غربيّة في أحيان كثيرة بالمال، وقد وقّع كلا المحورين المتصارعين في ليبيا عقوداً مع شركات علاقات عامة.