تركّز المبادرة الروسية على استبدال الانتشار العسكري بمنظمة متخصّصة للحفاظ على أمن الخليج
قبل ثلاثة أيام، لمّح بوتين إلى ضرورة قيام منظمة جديدة في الخليج، هدفها حماية الأمن في هذه البقعة الاستراتيجية من العالم، مع تزايد المخاطر. وكان هذا محور النقاش في ورشة عمل «معهد الاستشراق»، والتي طُرحت فيها آراء غالبية الأطراف، طبعاً على ألسنة غير رسميين، ومن دون قفازات. في العناوين العريضة، يمكن تلخيص روحية النقاشات بالنقاط التالية: جميع الأطراف يؤكدون عدم رغبتهم أو اقتناعهم بحصول حرب كبرى بين إيران والسعودية المدعومة أميركياً، أو حتى صراع متدحرج بين إيران والأميركيين، لأسباب عديدة، إلّا أن غالبية الحاضرين أعربوا عن خشيتهم من وقوع هذه الحرب، وعبّروا عن قلق عارم في دولهم من الاحتمالات المرتفعة لتطوّر أحداث غير محسوبة، تُوصل في نهاية المطاف إلى حرب مدمّرة. والسبب في ذلك هو الاكتظاظ العسكري في الخليج للدول الأجنبية، وارتفاع وتيرة الأحداث الأمنية والعسكرية، مع وجود حوالى 44 ألف جندي أميركي موزّعين على دول مجلس التعاون الخليجي (أعلن الأميركيون قبل يومين إرسال 3000 جندي إضافي إلى السعودية). وهذا الانتشار من المتوقّع أن يرفده البريطانيون بجنود إضافيين في حال استمرار التوتر، إضافة إلى قطع بحرية.
لذلك، تركّز المبادرة الروسية على استبدال الانتشار العسكري المتزايد أو وقف ازدياده، بمنظمة متخصّصة للحفاظ على أمن الخليج عبر التواصل المستمر بين الأطراف بآليات اتصال دائمة. ولا تُعدّ هذه المنظمة بديلاً من مجلس التعاون الخليجي، أو أي منظمة أخرى، إلّا أنها تمتاز عن غيرها بانضمام دول الخليج وإيران وروسيا وأميركا والصين والهند ودول أوروبية، لكنها تكون بديلاً من تشكيل أي تحالف عسكري يرفع احتمالات الحرب ويهدّد الاقتصاد العالمي تهديداً خطيراً. وتشبه الورقة الروسية للخليج، في أهدافها، تفاهمات خفض التصعيد التي رعاها الروس في سوريا، لكن على نطاق واسع.
بدا واضحاً، في غالبية المداخلات، أن إيران والدول التي تدور في الفلك السعودي جاهزة للحوار، وأن الصراع الذي يردّه الخليجيون إلى أيديولوجية الثورة الإسلامية في إيران ونيّات طهران التوسعية، ويردّه الإيرانيون إلى تنفيذ الخليجيين السياسات الأميركية، قد وصل إلى نقطة تستوجب الجلوس للتفاوض، لتفادي الحرب المكلفة للجميع. وعلى الرغم من خطر الصراع على إمدادات الصين والهند بشكل رئيس من النفط الإيراني والخليجي، إلّا أن أوروبا ستكون الخاسر الأكبر. من هنا، بات المزاج السياسي الأوروبي، اليوم، لا يأبه بتجاوز التحفّظات التقليدية على دور إيران في المنطقة، والتي تمسّك بها الأوروبيون إلى ما قبل ثلاثة أشهر، والسعي من دون عقبات إلى المساهمة في البحث عن حلول وتهدئة الغضب الإيراني الذي تُسببه العقوبات على طهران. لكن الأميركيين يمسكون بأعناق الأوروبيين عبر القطاع الخاص، الذي يخشى العقوبات الأميركية في حال الانخراط التجاري مع طهران. من هنا، يسارع الأوروبيون إلى محاولة انتزاع المبادرة من أيدي الأميركيين، في ظلّ الصعوبات التي تواجههم في العلاقة مع الإدارة الأميركية الحالية برئاسة دونالد ترامب.