يندرج الضمّ ضمن التهويد، لكن هذه المرة من البوّابة القانونية
أما ما يُسمى خلافات أميركية ــ إسرائيلية، أو إسرائيلية ــ إسرائيلية، حول الضم، فليست إلا في تقدير التداعيات، وإلا فهم متفقون على المبدأ بل على أن كل الضفة ملك للصهاينة، لكن الظروف تحول دون ضمها كاملة. وإن كان هناك مستوى من التردد في تحديد حدود الضم وطريقة تنفيذه، فهو ناتج عن المخاوف من التداعيات. لذلك، تحضر بعض الرسائل الأساسية التي ينطوي عليها مشروع الضم. بداية، ينبغي ألا يغيب عن البال أن الاحتلال قائم مع الضم ودونه منذ عشرات السنوات. ومن هذه الزاوية، لا يُغير إعلان الضم شيئاً، لكن التغيير الذي يمكن أن يترتب عليه هو من جوانب أخرى، فهو تنفيذ لطموحات صهيونية يرفع رايتها في هذه المرحلة معسكر اليمين انطلاقاً من تقديره أن الظروف العربية والدولية (الأميركية تحديداً) تسمح بتنفيذ هذه الخطة. ولهذا، يشكل إعلان الضم خطوة متقدمة لدفع العالم وبعض الفلسطينيين إلى التكيّف مع الواقع المفروض وإجبارهم على التفاوض على أساس «صفقة القرن»، ويعني ذلك أيضاً أن الضفة لن تكون جزءاً من أي كيان سياسي فلسطيني مفترض (ضمن التسوية). كما يراد حشر الفلسطينيين وتسليمهم بالواقع بل إضفاء قدر من الشرعية (الفلسطينية) عليه، ما يعني أن الضم جزء من خطة أوسع تستهدف تصفية القضية.
أيضاً يندرج الضم ضمن التهويد، لكن هذه المرة من البوابة القانونية التي تفتح الأبواب على مسارات تهويد أخرى. فتغيير الوضع القانوني يعني تغيير قوانين ملكية الأراضي فيها بجعلها «إسرائيلية»، إضافة إلى منع سكان الضفة وغزة من دخولها إلا بتصاريح إسرائيلية. ينبغي التذكير هنا بسابقة ضمّ القرى المحيطة بالقدس بعد احتلالها عام 1967، عندما ضمت الأراضي التي تتبع لكل قرية وبلدية إلى «بلدية القدس»، فتحولت القرى إلى أحياء في المدينة، وأراضيها إلى أراضي بلدية الاحتلال، وهو الأمر الذي سينسحب على الأراضي والقرى المضمومة حديثاً. في الخلاصة، سيتبلور في تلك المناطق قانونان: واحد يتعامل مع اليهود الصهاينة وآخر مع الفلسطينيين. وفي ما يتعلق بمصير الفلسطينيين الذين يقطنون هذه المناطق، من المسلَّم أن إسرائيل لن تمنحهم جنسيتها. في مواجهة ذلك، يكمن التحدي الجوهري أمام الشعب الفلسطيني وفصائله، المقاومة وغير المقاوِمة، في تحديد ماذا يريدون على المدَيين المباشر والبعيد، وكيف يمكن تحقيق ذلك. والإطار العام الذي يحكم أي خيار هو أن تكون مواجهة الضم جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى مقاومة الاحتلال (مع أو من دون ضم). من المسلّم أنه لا يمكن أن يكون النهج الذي أضاع فلسطين، ويهدد ما تبقّى منها، هو نفسه الطريق إلى إنقاذها. وما هو أشد تهديداً من الاحتلال هو سعي كثيرين في فلسطين والمنطقة والعالم إلى بثّ روح اليأس في صفوف هذا الشعب كي لا يرى الجانب المضيء من تطورات البيئة الإقليمية بما تنطوي عليه من عناصر قوة وفرص (إلى جانب الجانب المظلم منها) تؤسِّس لمعادلات جديدة تشقّ الطريق إلى فلسطين.