تفضّل القاهرة الاحتفاظ بورقة رابحة درءاً لاحتمال مصالحة خليجية من دونها
صحيح أن هناك تنسيقاً منذ شهور بين أجهزة الاستخبارات المصرية والتركية بصورة غير مباشرة عبر وسطاء، وصل لاحقاً إلى تنسيق مباشر ربّما لم يحدث منذ سنوات بهذه الدرجة من الكثافة، خاصة في الأسابيع الماضية، لكنه اقتصر على مستويات محدّدة. مع ذلك، تؤكد مصادر أن هذا التواصل أفضى إلى الكثير من التفاهمات، خاصة في ما يتعلّق بوقف الانتقادات الإعلامية المصرية لتركيا، مع وعود تركية «لم تُنفّذ حتى الآن» باتخاذ خطوات مماثلة. هذه التفاهمات، التي لا تزال في بدايتها، أقلقت دول الخليج بوضوح، ولا سيما السعودية والإمارات، لكونها تأتي من دون تنسيق بينهما وبين مصر، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى نقل «رسالة طمأنة» باستحالة أن تكون هناك خطوات أحادية من القاهرة تجاه أنقرة، ولا سيما في ما يتعلّق بـ«الموقف العربي الموحّد ضدّها في مسألة قطر».
بناءً عليه، يبدو أن مصر تستخدم تفاهماتها مع تركيا كأداة ضغط لانتزاع مكتسبات في مفاوضات حلّ الأزمة الخليجية، والجارية بوساطة أميركية، عن طريق التلويح بها لإبعاد أيّ احتمالات مصالحة من دون القاهرة. وعلى رغم ضعف تلك الاحتمالات، إلا أن المصريين يفضّلون الاحتفاظ بورقة رابحة يمكنهم استخدامها في المفاوضات، وهو ما ظهر في الأيام الماضية أثناء الهدنة الإعلامية بين قطر وجيرانها، والتي لم تلتزم بها مصر. في هذا الوقت، لم تنقطع اتصالات السيسي مع ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، خلال المدّة الماضية، لكن المعارضة المصرية لإردوغان ونظامه تراجعت. وفيما ترغب الإمارات في دعم المعارضة التركية مالياً، يُفضّل السيسي اتّباع طرق أخرى، سواء مع إردوغان أو غيره، من جرّاء اعتبارات عديدة.
على أن التنسيق المصري - الإماراتي المرتبط بليبيا لا يزال قائماً حتى اللحظة من دون تغيير، ولا سيما لناحية الدعم العسكري لقوات المشير خليفة حفتر. أما تركيا، فالظاهر أنها باتت تتفهّم الموقف المصري في ليبيا، حيث لم تعد الحرب خياراً مطروحاً حتى في حال استمرار الخلاف السياسي والتصعيد، وما يحدث اليوم ليس سوى جزء من صورة ستتّضح معالمها قريباً طبقاً للدوائر القريبة من أصحاب القرار.