مدينة المفخّخات
لا يكاد يمضي شهر خلال العام الحالي من دون أن تُسجّل مدينة رأس العين وأريافها تفجيرات بسيارات مفخخة أو دراجات نارية أو عبوات ناسفة، تُخلّف ضحايا من قتلى وجرحى، فضلاً عن الدمار. وشهدت المدينةُ وريفها، منذ احتلالها من قِبَل الأتراك والفصائل الموالية لهم، أكثر من خمسين تفجيراً، ذهب ضحيّتها عشرات المدنيين، في ظلّ اتهامات متبادلة بين «قسد» والفصائل المسلّحة بالوقوف خلفها. ويتحدّث الكثير من الأهالي، الذين تواصلت معهم «الأخبار»، عن تحوّل رأس العين إلى مدينة أشباح، بعد انتشار عمليات السّطو والسرقة والخطف والنهب فيها. كما يكشفون أن «أعضاء المجلس المحلّي، الذين عيّنتهم تركيا، يعملون في مكاتبهم نهاراً، ويغادرون المدينة ليلاً، للنوم في المدن التركية المجاورة»، نتيجة فقدان الأمان في المدينة.
التغريبةُ المتجدّدة
لم يكن سكّان رأس العين قد نسوا آثار هجوم «جبهة النصرة» على مدينتهم في خريف العام 2012، حتى جاء خريف العام 2019 ليعيشوا تغريبة جديدة. ووفق إحصاءات حكومية، فإن عدد سكّان المدينة بلغ في العام 2019 قرابة 100 ألف نسمة، وهو يصل مع عدد سكّان القرى والبلدات التابعة إدارياً للمنطقة إلى نحو 170 ألف نسمة. وتفيد إحصاءات منسوبة إلى «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون اللاجئين» بأن «نحو 150 ألف مدني تركوا منازلهم خلال الهجمات العسكرية التركية في ما سُمّي معركة نبع السلام»، قبل أن يعود بعضهم إليها بعد انتهاء المعارك. وبعد مرور نحو عام على احتلال رأس العين من قِبَل الجيش التركي والفصائل الموالية له، فإن عدد السكّان يقدّر بنحو 90 ألف نسمة، منهم نحو 30 ألفاً من السكّان الأصليين. وتشير هذه الإحصاءات إلى أن أكثر من ثلثي سكّان المدينة قد هُجّروا منها، ولم يتمكّن غالبيتهم من العودة إلى منازلهم، بعد أن استولت عليها الفصائل، وحوّلتها إلى مساكن جديدة لعائلاتها القادمة من أرياف حماة وحلب وإدلب ودير الزور. ويتوزّع النازحون من رأس العين وأريافها على مخيّمَين أساسيَّين تابعَين لـ«الإدارة الذاتية» الكردية، على أطراف مدينة الحسكة الغربية والشرقية، ويقطنهما قرابة 20 ألف نسمة، فيما يتوزّع ما تبقى من نازحين في منازل استأجروها في مدينتَي الحسكة وتلّ تمر.
باتت المدينة شبه خالية من أبناء الأقلّيات بعد الاستيلاء على منازلهم
لا خدمات من تركيا
على رغم مرور أكثر من عام على احتلال القوات التركية للمدينة، إلا أن الأجهزة التركية لم تقم بترميم الخدمات والبنى التحتية فيها، بل هي تعتمد على الحكومة السورية و«قسد» لتغذية المنطقة بالمياه والكهرباء، مستغلّةً وجود المصدر المائي الوحيد لمدينة الحسكة وأريافها، في منطقة علوك شرقي المدينة، تحت سيطرتها. ولجأ الجانب التركي إلى مقايضة «الإدارة الذاتية»، بالحصول على الكهرباء وتشغيل محطات المياه، مقابل تزويد الحسكة وأريافها بالمياه من محطة علوك. كذلك، يعاني السكّان من انعدام الخدمات الطبية، في ظلّ خروج المشفى الوطني والمراكز الطبية عن الخدمة، واضطرارهم إلى نقل الحالات الصعبة إلى المستشفيات التركية.
لا أقلّيات في المدينة
تُعدّ مدينة رأس العين إحدى أكثر مدن الحسكة تنوّعاً ديمغرافياً، إلا أنه بعد احتلال الأتراك للمدينة باتت شبه خالية من الأقلّيات التي هُجّر أبناؤها، وتمّ الاستيلاء على ممتلكاتهم. وفي وقت انعدم فيه وجود الإيزيديين مثلاً بعد العبث بمنازلهم وقبور موتاهم، بقيت أعداد محدودة من العوائل الكردية والشيشانية والمسيحية. ويتحدّث أبو روني، الذي استقرّ في مدينة الحسكة، وافتَتح محلاً تجارياً له في أحد أحيائها، عن أن «كلّ كردي متّهم بأنه عنصر مع قسد أو الوحدات الكردية، لذلك غالبية الأكراد تركوا المدينة، ولم يتجرّأ أحد على العودة إليها». ويلفت الرجل الخمسيني إلى أن «مَن بقي فضّل تحمل مرارة الإرهاب على مرارة النزوح والتشرّد، وهم يتعرّضون لمضايقات يومية بتهمة العمالة لقسد».
في انتظار التحرير
مع انتشار الجيش السوري على خطوط التماس مع الجيش التركي والفصائل الموالية له، ينتظر الكثيرون من سكّان المنطقة تحرّكاً عسكرياً يوصل الجيش إلى المدينة وأريافها، ويحقّق استقراراً نهائياً لها. ويؤكّد ابن المدينة، أبو عادل، أن «هناك إيماناً كبيراً لديه بأنه سيصل إلى المدينة منتصراً على سجّانيه السابقين»، ويشير إلى أن «الجيش السوري يحتفظ بتأييد واسع لدى غالبية سكان المنطقة». وهو ما يؤكدّه أيضاً أبو صالح، الذي يرى أن «تحرير المدينة وطرد المحتلّين منها على يد الجيش حتميّ، لكن تبقى الظروف السياسية والعسكرية هي التي ستحدّد الزمن المناسب لذلك».
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا