هذا التزوير والتحايل يكشف جزءاً من سيناريو يرتبط بتركيبة البرلمان المقبل، وتغيير خلفيات النواب. والمفارقة أن تكتل «25-30» المعارض لم ينجح منه سوى نائبين فقط هما ضياء الدين داوود وأحمد الشرقاوي، فيما خسر باقي النواب أو لم يترشّحوا من الأساس. وفي المحصّلة، امتلك حزب «مستقبل وطن» الغالبية الساحقة بعد حصوله على 316 مقعداً: 145 عن طريق القائمة و171 في المقاعد الفردية. والحزب الفائز، الذي أسّسته المخابرات وموّلته من جيوب رجال الأعمال وكبار العائلات، هو عملياً تجمّع لفلول «الحزب الوطني» المحلول إبّان تنحّي محمد حسني مبارك، كما يضمّ الراغبين في الحصانة. والنتيجة أن المجلس الجديد تَغيّر بصورة كبيرة، فاستبدل النظام بمؤيّدين له وجوهاً مختلفة لن تؤيّده فقط، بل سترفع سقف القمع وتُقنّن فرض مزيد من الضرائب على المواطنين بما يخدم السياسات الاقتصادية الحكومية حتى لو كانت ضدّ مصلحة الشعب، التي يفترض أن يرفع النواب لواءها.
ليس لدى «مستقبل وطن» برنامج واضح إنما ينتظر تعليمات الرئيس
أيضاً، في الاستعدادات التي سبقت الانتخابات كوارث كثيرة بدأت تتكشّف يوماً بعد الآخر، بداية من القائمة التي جمعت مجموعة من الأحزاب وفُرض فيها مرشّحو «مستقبل وطن» مع أن غالبيتهم لم ينتموا إلى الحزب أصلاً، وصولاً إلى الإقصاء المتعمّد لـ«المصريين الأحرار» الذي أسّسه رجل الأعمال نجيب ساويرس وفاز بغالبية البرلمان قبل أن تحدث خلافات بين أعضائه لتقسمه إلى جبهتين، الكبرى منهما حظيت بدعم المخابرات قبل أن تتخلّى عنها الأخيرة وتُخرج الحزب كلّياً من البرلمان المقبل، سواء باستقطاب عدد من أعضائه لدى أحزاب أخرى أو إسقاط نوابه في الانتخابات. ومن مفارقات الانتخابات، كذلك، وجود 95 مقعداً للمستقلّين، وهي نسبة كبيرة محسوبة على «مستقبل وطن» حتى لو لم تنتمِ إليه مباشرة، مع أعداد محدودة نجحت فردياً بالفعل لكن ليس لها تاريخ سياسي معارض. أمّا «الشعب الجمهوري» الذي يموّله رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة، صاحب الفيديوهات الجنسية الفاضحة وعضو مجلس الشيوخ والمرتبط بعلاقات مالية مع الخليجيين، فحلّ ثانياً بعد أكبر كتلة برلمانية، إذ حصد 50 مقعداً منها 28 من حصته في «القائمة الوطنية» التي نجحت بكاملها على مستوى الجمهورية.
حتى «الوفد» الذي يُعدّ أعرق الأحزاب المصرية وأقدمها لم ينجح سوى بالحصول على 25 مقعداً، أربعة منها في الفردية فقط، فيما لم يحصد السلفيون سوى 7 مقاعد عبر «النور». وهذا كلّه يؤكد أن النسخة الأخيرة من مجلس الشعب فيها وجوه جديدة بأفكار قديمة وسياسات مكرّرة، لكن هذه المرّة عليهم تقديم أكبر دعم للحكومة، علماً أن «مستقبل وطن» الذي يفترض أن يكون الحزب الحاكم ومشكّل الحكومة المقبلة لا يملك أي رؤية سياسية بعد، وكلّ ما لديه توجيهات مباشرة يجب تنفيذها وفق رؤية الرئيس التي تنقلها المخابرات إلى قادة الحزب، والأخير يرأسه المستشار عبد الوهاب عبد الرازق الذي كان الرئيس الأسبق للمحكمة الدستورية وداعم السيسي في الوصول إلى كرسي الرئاسة.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا