وفي عام 1994، قرّر العودة إلى قطاع غزة للعمل كمحاضر في "الجامعة الإسلامية" في كلية الهندسة، ليبدأ مسيرة تطوير قدراته في الأبحاث العلمية، وينتقل ليصبح خبيراً في البرمجة بجوار علوم الهندسة. يقول أحد تلاميذه، الباحث سعد الوحيدي، إنه في ذات يوم سأل الشهيد ممازحاً: "عم (أبو أسامة) حدّ بسيب أمريكا وبيرجع على غزة؟"، فأجابه: "هذه البلاد أمانة وقضية يا سعد، ومَن عنده انتماء لقضيته لا أمريكا ولا 1000 أمريكا تغريه". ويقدّم الزبدة نفسه على موقع "الجامعة الإسلامية" في غزة، في سيرته الذاتية، على أنه عمل في "إدارة المشروعات والإشراف عليها، ومتخصّص في ميكانيكا الموائع والمكونات الهيدروليكية، وديناميكا الموائع الحسابية والديناميكا الهوائية، ومجال الهندسة الإنشائية، وتطوير البرمجيات". وفي عام 2006، بدأ عمله في المقاومة الفلسطينية بعدما انضمّ إلى فريق خاص وسرّي من المهندسين داخل "كتائب القسام" لتطوير الأدوات العسكرية للكتائب، بما فيها برنامج الصواريخ التي وصلت مدياتها في عام 2009 إلى 35 كلم، وفي عام 2021 لتغطّي كلّ فلسطين المحتلة.
أكاديمي ومهندس فذّ وعقلية جبّارة ومقاتل عنيد
ويقول تلميذه الوحيدي: "هذا الأكاديمي الحق، والمهندس الفذّ، والعقلية الجبّارة، والمقاتل العنيد، شخصية كانت تنتقل بروح الله ومعيّته من قاعات المحاضرات إلى المعامل والمختبرات، وتُرابط في ورش التصنيع والتطوير ومختبرات المقاومة ومعاملها، حتى أجرى الله على يديه وأيدي تلاميذه وإخوانه ما يسيء اليوم وجه العدو".
ويضيف إن الشهيد الزبدة "انتصف يومه وانقسمت حياته؛ بين تدريس وإعداد آلاف المهندسين في مختلف تخصّصات كلّية الهندسة في الجامعة الإسلامية في غزة، وإعداد وتدريب المقاتلين والفنّيين والمهندسين ليكونوا روافع ودعائم للعمل العسـكري المقاوم الذي يدكّ اليوم قلب الكيان المسخ (تل أبيب)". وخلال عمله في وحدات البحث والتطوير، ضمّ ابنه، المهندس أسامة، الذي يحمل الجنسية الأميركية، إليه، بحسب زوجته، التي كتبت بعد استشهاده تقول: "زوجي... صاحب الثلاثة والثلاثين عاماً، ولو قيست أعمارُ الرجال بأعمالهم لكان أكبرهم قدراً وعمراً... زوجي صاحب الجنسية الأميركية، الذي عرف أن أقصر الطرق إلى الله هي أن تفتديه ودينَه بروحك وعقلك ووقتك ومالك، فآثرها عمّا سواها... زوجي المهندس الذي قال فيه أبوه محدّثاً إيّاي: (زوجك اليوم يا خالي عمل شيء كان ممكن يعمل عليه أفضل بحث دكتوراه في عام 2019). لا أعلم ماذا فعل بالتحديد، ولكني على يقين أن العشر ساعات التي كان يقضيها يومياً في ورش التصنيع عائداً إليّ بوجه مُغبَرّ ويدين مُتّسختَين، منحته شهادة الآخرة، وأولئك كان سعيهم مشكوراً... زوجي الذي رحل باكراً جدّاً تاركاً لي قِطع فؤاده... سلامٌ عليك في دار الخلود".
في اليوم الثاني من حرب "سيف القدس"، قصفت طائرات حربية إسرائيلية المكان المُحصّن الذي كان يوجد فيه الزبدة وعدد من مهندسي المقاومة تحت الأرض، بأكثر من 20 صاروخاً أميركياً من نوع "GBU"، المخصَّص لاختراق الأماكن المحصّنة، ليستشهد هو ورفاقه، وتنعاه كتائب "القسام"، بجوار قائد لواء غزة في "الكتائب"، باسم عيسى، رفيق المهندس الأول، يحيى عياش. وبعد استشهاد القائد الزبدة وابنه، نشر جهاز الأمن الداخلي للاحتلال، "الشاباك"، وصفاً للشهيد قال فيه إنه كان يمثّل قوة أساسية وراء شبكة إنتاج الصواريخ، وأنه أحد أبرز خبراء البحث والتطوير في "حماس"، إضافة إلى أنه شارك أيضاً في تطوير المشاريع لبناء قوة الحركة، بحسب ما ورد في موقع وزارة الخارجية الإسرائيلية.