مقالات مرتبطة
-
كسَر التابوهات... ولم يخشَ الكومبرادور يوسف فارس
برز «فنّان الفقراء» كما سمّاه واحدٌ من أبناء بلدته، في صورة «الصوت العالي»، بل «صوت الوعي العالي»، ليس في ما يخصّ مشروع السلطة الفلسطينية فحسب، إنما أيضاً في ما يتعلّق بأحداث الإقليم، حيث طرح موقفاً متقدّماً من الحدث السوري، وحَمَلت مقابلاته ومنشوراته المكتوبة مقاربات جريئة عن «مؤامرات إسقاط سوريا بوصفها آخر قلاع القومية العربية» كما يقول. فضلاً عن ذلك، يمتلك الرجل إحاطة مدهشة عن حروب الأنظمة العربية مع إسرائيل، وتاريخ «منظّمة التحرير». يُغرقك وأنت تستمع إليه، بفيض مذهل من الشخصيات التي بالكاد سمع عنها أحد. وعن ذلك كتب واحد من خصومه عقب اغتياله: «فيديوهات نزار بنات هي الوحيدة التي تحتاج حين تستمع إليها إلى جهازَين محمولَين، أحدهما تستمع به، والآخر تبحث فيه عبر جوجل عن أسماء الشخصيات والتواريخ والأحداث والمصطلحات التي يُضمّنها في كلّ جملة يتكلّم بها».
بالعودة إلى فنّان الفقراء، الحالة الفريدة التي لا تتكرّر وفق ما يقوله ابن بلدته محمد العجوري، فهو مجترح الحلول العبقرية في مجاله. يشرح العجوري: «يَدخل إلى المنزل، ثمّ يُحوّله إلى تحفة فنّية بأقلّ التكاليف، وليس على الطراز الغربي الصامت الخالي من الروح، هو يصنع الأشكال والمنحوتات بيده، يعكس فيها رومانسيّته الدمشقية، يترك شيئاً من روحه على كلّ حائط وجدار». وعند الحساب، يُظهر «أبو كفاح» مرونة قلّ نظيرها، على رغم أنه من الكادحين الذين يعتاشون من قوت يومهم، إلّا أنه فائض الكرم. يكمل العجوري: «لا يطالبك نزار بما لا تمتلك، ينهي الموقف الحرج بجملة واحدة: هات شو معك والباقي حلوان العروس». «حنون جدّاً، ومحبّ لعائلته، على عكس ما تراه منه من شراسة في فيديوهاته». يقول صديقه الصحافي أحمد البديري إن بنات نزار «هنّ كنوز الدنيا بالنسبة إليه»، وإن زوجته «أم كفاح» هي «صديقته ورفيقته وأخته التي لم يخدش قلبها قطّ»، ويضيف متحدّثاً عن صديقه الراحل: «مثقّف كأفضل بروفيسور، ويدرس كأنه تلميذ، صدح بصوته العالي ولم نعرف عليه الكذب قطّ».
يَذكر البديري واحداً من مواقفه الجريئة، التي يفوق ما لم تُسجّله الكاميرا منها أضعاف ما ظهر للناس، حيث وقف في مواجهة النائب العام في إحدى المرّات الثماني التي جرى اعتقاله فيها، واشترط عليه أن يُحقّق معه محقّقٌ تحصّل على مجموع مرتفع في الثانوية العامة، وكان له ما أراد، حتى أُخلي سبيله، بعدما لم تَثبت عليه أيّ تهمة. فهو وفق صديقه، أخبر الناس بالقانون الذي قرأه وحفظه وفهم تفاصيله عن ظهر قلب، حتى أن القضاة لم يستطيعوا أن يثبتوا عليه تهمة قطّ. رحل سليل ناجي العلي كما يرى فيه الكثيرون، يوم الخميس الماضي، بعدما كان تنبّأ في أكثر من مناسبة بمقتله. لكن هذا الخطر لم يُثنه عن مواصلة مشواره، الذي كان يؤكّد دائماً أنه سلكه «لأجل أولاده الذين يجب أن يعيشوا بكرامة» في البلاد التي لم يقبل على نفسه مغادرتها، على رغم أن إرهاصات اغتياله بدأت منذ سنوات، ليس في شكل التهديدات التي رافقته خلال الأعوام الأخيرة، بل في محاولات القتل التي كان آخرها قبل شهرين من استشهاده، عندما هاجمت وحدة مسلّحة تابعة للسلطة منزله، وأطلقت عليه النار، ليظلّ متخفّياً في أعقاب ذلك لشهرين.
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا