إلى جانب ذلك، يسعى العدو إلى العمل مع الإمارات، وربّما دول خليجية أخرى، ضدّ إيران، وهو الموضوع الوحيد الذي رفض الوزير الإسرائيلي التوسّع في الحديث علناً عنه، قائلاً إنه لا يريد إحراج الإماراتيين بالحديث عن جار لهم، وإن أعرب عن قلقه من الاتفاق النووي وأشار إلى أن ثمّة حاجة إلى «صفقة أفضل». لكن الواقع هو أن التطرّق إلى هذا الموضوع، من دولة خليجية تحديداً، يثير حساسية أكبر لإسرائيل على مستوى العلاقة بالولايات المتحدة، التي تختلف إدارتها الحالية مع العدو في شأن المفاوضات حول العودة إلى الاتفاق النووي. واستعاض الجانبان الإماراتي والإسرائيلي عن الحديث المباشر عن إيران، بتأكيد رغبتهما في «التعاون في مواجهة التحدّيات»، بحسب بيان رسمي مشترك، في ما بدا إشارة إلى إيران. وكانت دول خليجية عدة، وخاصة السعودية والإمارات، قد عبّرت عن اعتراضات مماثلة للاعتراضات الإسرائيلية على الاتفاق النووي، بل شاركت العدو في دفع ترامب إلى تمزيق هذا الاتفاق، وضغطت باتّجاه التوصّل إلى اتفاق آخر تريد أن يشمل القدرات الصاروخية الإيرانية والعلاقة بين إيران وفصائل محور المقاومة.
الثغرة الإماراتيّة وفّرت لإسرائيل فسحة استراحة من أزمة داخليّة
الثغرة الإماراتية وفّرت لإسرائيل، كذلك، فسحة استراحة من أزمة داخلية ممتدّة، سواء في ما يتعلّق بالصراع مع الفلسطينيين، حيث تواجه حائطاً مسدوداً بعد انتصار المقاومة في غزة، أو في ما يتّصل بالأزمة السياسية داخل الكيان، الخارج من انتخابات ثبّتت انشطار قواه السياسية إلى نصفين، وحوّلت أحزابه إلى مزق وشظايا، فنال نتنياهو، الذي لا تجمع بين أحزاب الحكومة الحالية ذات الأغلبية الضعيفة إلا خصومته، مديحاً من لابيد، باعتباره مُفتتح عهد التطبيع مع العرب، وخصوصاً الخليجيين، بنطاقه الأوسع، أي بما يتجاوز مَن سبق أن طبّع العلاقات مع العدو من دول الطوق.
المشكلة الأكبر تكمن في أن المناهضين لإسرائيل، سواء كانوا أفراداً أو جمعيات أو أحزاباً أو دولاً، عاجزون تماماً عن ممارسة أيّ تأثير ملموس. فلا ردّات فعل حكومية عربية، حتى من دول تؤيّد القضية الفلسطينية، بعدما تعلّمت تلك الدول كيف تفصل بين مصالحها مع الإمارات، وموقفها من الاحتلال، أو بالأحرى كيف تتّقي غضب «عيال زايد»، إن هي تجرّأت على ردّ فعل لا يعجبهم. حتى بيانات الأحزاب والجمعيات تلاشت. وحدها وسائل التواصل الاجتماعي، مثل «تويتر» و»فيسبوك»، المملوكتين، للمفارقة، لشركات أميركية، وفّرت منصة مضادّة استطاع المناهضون لإسرائيل وحكّام الإمارات التعبير عن آرائهم من خلالها، فأمعنوا في إطلاق نعوت على «أولاد زايد» مِن مثل «صهاينة العرب» الذين جعلوا بلادهم وجهاً آخر لإسرائيل، داعين إلى بدء حملة لمقاطعة الإمارات، ومشدّدين على أن الإماراتيين غير موافقين على التطبيع وإنما يمنعهم القمع من التعبير عن آرائهم. في المقابل، ومثل عادته، كان وزير خارجية الإمارات، عبد الله بن زايد، الأكثر تعبيراً عن شغف إخوانه بالعلاقات مع إسرائيل. وكما ودّع وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، غابي أشكنازي، بشريط مُصوّر قائلاً له: «شكراً لكونك شريكاً رائعاً، وأتطلّع لنكون أصدقاء لسنوات طويلة قادمة»، صاغ مع لابيد في ختام الزيارة بياناً مشتركاً يتحدّث عن «القرار الشجاع الذي اتّخذته كلّ من قيادة دولة الإمارات ودولة إسرائيل، ما يمهّد الطريق لتغيير تاريخي في المنطقة».
يعيش حكام الإمارات في العلاقة مع إسرائيل حالة إنكار، تتجاهل المعارضة الشعبية العربية، والإماراتية أيضاً، للتطبيع. لكنهم يستفيدون من عجز عربي عام عن الضغط لثنيهم عن اقتراف هذه الخطيئة، ومن إمكاناتهم المالية الكبيرة التي تُخوّلهم إسكات كثيرين. هو سباق إذاً، ورهان حكام الإمارات على العدوّ واضح ولا رجعة فيه، فهل سيتمكّنون من الاستمرار في هذه الطريق؟