غرقت البلاد خلال اليومين الماضيين في سيل من التأويلات الدستورية للأوامر الرئاسية الأخيرة
وبينما غرقت البلاد، خلال اليومين الماضيين، في سيل من التأويلات الدستورية للأوامر الرئاسية الأخيرة، لم تأتِ بيانات الأحزاب بجديد، إذ صبّت جلّها في الرفض المطلق لقرارات سعيد، باعتبارها «انقلاباً سافراً على الشرعية والديمقراطية، يدفع بالبلاد إلى منطقة مخاطر عالية»، و«تأبيداً للوضع الاستثنائي يستدعي وقفة حازمة من الحساسيات الوطنية في إطار نضال سلمي»، وفق ما قرأت فيها «النهضة»، في بيان لمكتبها التنفيذي. ويَعتبر رئيس اللجنة السياسية المُكلَّفة من قِبَل الحركة بالحوار حول أزمة التدابير الاستثنائية، محمد القوماني، في حديث إلى «الأخبار» أنه «أمام المخاطر المتعاظمة التي دخلتها البلاد بعد الأمر الرئاسي الأخير، خاصة مع تعليق الدستور وفرض نظام مؤقّت لتنظيم السلطات ذي طابع رئاسوي، بدا لزاماً على الأطراف السياسية التشاور». ويرى أنه «بعد مضيّ الرئيس في ما يسمّيه الإصلاحات بصفة أحادية، و(تبنّيه) خطاب الكراهية والعنف، أضحى سعيد تهديداً جدّياً لمؤسسات الدولة، ومتحاملاً على جميع السلطات». ونتيجة لذلك، تطرح «النهضة»، وفق مُحدّث «الأخبار»، أن «تؤجّل القوى السياسية والمنظّمات خلافاتها وتقييماتها للعشرية الماضية، والتي سيحين في وقت لاحق تقديمها وتحميل المسؤولية للأطراف المتسبّبة في ما آل إليه الوضع في البلاد، وتصرف كلّ اهتمامها للتصدّي للإجراءات الرئاسية». ويلفت القوماني إلى أن «النهضة تجري مشاورات مع مختلف الأطراف لبحث الصيغ النضالية المناسبة للحوار»، مضيفاً أن حزبه «لم يَدعُ إلى تحرّكات في الشارع إلى غاية اللحظة، ولكنه يحتفظ بهذا الحق». وكانت «النهضة» صبّت جهودها، في المرحلة السابقة، على محاولة إيجاد تفاهمات وحلول مرنة تعيد الحوار والمؤسّسات إلى سالف عملها، ولكن سعيد أغلق هذا الباب بتعليقه الدستور مساء الأربعاء.
بالتوازي مع ذلك، بدأت ملامح الجبهات والتكتّلات السياسية المناهِضة لسعيد بالتشكّل، لتجمَع من افترقوا لسنين وبلغوا حدّ تخوين بعضهم البعض، ومن ذلك قيام «الجبهة الديموقراطية» على أنقاض الأحزاب المنشقّة عن «المؤتمر من أجل الجمهورية»، أحد أذرع «الترويكا» الحاكمة إثر انتخابات 2011، والذي كان نصيبه من الحكُم رئاسة الجمهورية، عبر ذهابها لصالح الحقوقي منصف المرزوقي آنذاك، قبل أن يفقد منذ 2014 مقاعده البرلمانية، ويخسر أيضاً الانتخابات الرئاسية في الموعدين اللاحقين. وأعلنت «الجبهة الديموقراطية» أن «هذا التجمّع يهدف للتصدّي لانقلاب سعيد»، داعية إلى «عزل الرئيس وتمرّد المؤسستين العسكرية والأمنية عليه ورفض أوامره»، مؤكدة تأييدها التظاهرات والتحركات الاحتجاجية ضدّه، وعزمها الدفع نحو «الإطاحة بقصر قرطاج ومحاكمة مهندسي الانقلاب ومقترفيه»، وفق ما ورد في بيان صادر عنها. أمّا أحزاب الوسط الاجتماعي، والتي دارت سابقاً في فلك الرئيس حليفةً تارة ومحافِظة على مسافة منه تارةً أخرى، فقد ذهبت بدورها إلى رفض الأمر الرئاسي الأخير، وتجريد سعيد من شرعيّته بخروجه عن الدستور. ووقّع كلّ من «التيار الديموقراطي» و«التكتل» و«آفاق» و«الجمهوري» على بيان مشترك، للمرّة الثانية منذ 25 تموز الماضي، يهدف إلى تشكيل جبهة مدنية سياسية تتصدّى للانقلاب على الدستور. وتقف «حركة الشعب» كحزب وحيد يدافع عن الرئيس وخياراته، معتبراً الأمر الرئاسي متماهياً مع متطلّبات المرحلة التي اقتضى استشراء الفساد السياسي فيها في جميع مفاصل الدولة، قطْعاً مع منظومة العشرية الماضية وإنهاءً لحالة العبث السياسي. وما بين الفريقَين، وقف «الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي أخذ على الأوامر الرئاسية الجديدة «خلوّها من أيّ إجراءات للتنفيذ أو تسقيف زمني للحالة الاستثنائية»، معلِناً رفضه احتكار رئيس الجمهورية تعديل الدستور، والذي يجب أن يكون «نتاج حوار واسع»، مشدداً على ضرورة الإسراع في تشكيل حكومة بصلاحيات كاملة «قادرة على مجابهة التعقيدات الحالية».
وفيما من المرتقب أن يعلن سعيد خلال الأيام المقبلة الحكومة الجديدة ورئيسها، لتنطلق الأخيرة في عملها حال أداء أعضائها اليمين الدستورية، يبدو أنها ستخطو فوق أرض شائكة من الصراعات المحلية، في انتظار التحاق الفاعلين الدوليين بدائرة ردّ الفعل على إجراءات سعيد الأخيرة، وما سيكون لذلك من انعكاسات على مشروع إقراض تونس، لناحية إمكانية استخدام الدعم كوسيلة ضغط على بلد يعيش أزمة اقتصادية مستفحلة.