وإن كان المرزوقي محقّاً في مسألة «معاداة الفرنكوفونية»، إلّا أن هذا «العداء» لم يظهر بمجرّد تقلُّد سعيد منصب الرئاسة، بل له أسبابه الموضوعية، وعلى رأسها سياسة الهجرة الفرنسية والصعوبات التي تواجه المهاجرين، خصوصاً في ظلّ صعود الخطاب اليميني الفرنسي المحرّض، كما أن لها أسسها المرتبطة بالعلاقات الاقتصادية والمبادرات التجارية المختلّة مع الجانب التونسي. أمّا عن الخطاب المعادي، فباستثناء ترديد سعيد لشعارات عن السيادة الوطنية، وحديثه عن أنه ليس تلميذاً لدى فرنسا وإن لم يذكرها مباشرة، فإن مجال تحرّكه الأساسي كان عبر البرلمان الذي تم تجميده، وعلى لسان التحالف الحاكم وأضلاعه، وبخاصة «ائتلاف الكرامة» الذي اختزل برنامجه الانتخابي باسترجاع ثروات الطاقة التي تنهبها فرنسا. لكن هذا الائتلاف سارع، بدوره، إلى طلب العون الفرنسي بعد إجراءات سعيد، معوّلاً على مفاجأة فرنسية لإيقاف مسار 25 تموز.
دعا المرزوقي الفرنسيين إلى عدم التعاون مع رئيس انقلابي تشهد تونس في عهده «معاداة للفرنكوفونية»
بيد أن الاستهجان لدى الرأي العام، الذي قوبلت فيه تصريحات المرزوقي، وما تلاها من تأجيل للقمّة الفرنكوفونية، كشف أن التونسيين يفرّقون بين إحساسهم بالغبن تجاه فرنسا التي لم تغيّر من سياساتها الاستعمارية ولم تتوقّف يوماً عن سعيها إلى جعل تونس مجرّد حديقة خلفية لمصالحها، وبين الفرصة التي قُدّمت لبلادهم لاحتضان القمّة، التي وإن لن تقدِّم شيئاً على المدى القريب، ستكون لها نتائجها على المديَين المتوسّط والبعيد. فنجاح البلاد في تنظيمها، يعني استقرارها أمنياً، وما سينتج من ذلك من عودة للنشاط السياحي المتوقّف جرّاء العمليات الإرهابية منذ 2013، فضلاً عن العودة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية التي غادرت بكثافة للأسباب نفسها.
حجَب انتشاء المرزوقي بإسهامه في إفشال عقْد القمّة الشهر المقبل، الأسباب الحقيقية التي دفعت إلى اتّخاذ هذا القرار، والتي تبدو مرتبطة بالسياق الإقليمي أكثر منها بالسياق التونسي، خصوصاً إذا ما أُخذ في الاعتبار أن فرنسا كانت حليفة للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وعرضت عليه علناً المساعدة لإخماد التظاهرات التي عمّت البلاد خلال انتفاضة 2011، وما يربطها بالأنظمة ولاء الأخيرة لها ومصلحتها السياسية والاقتصادية أساساً. لذا، وفي خضمّ الارتدادات الدولية لخطاب الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، عن «المستعمرات السابقة»، والتوتّر مع الجزائر ومالي الذي قد يقوّي تذمّر دول أخرى وتمرّدها على الخطاب العمودي الناضح استعماريةً إزاء دول لم تحظَ بعد باعتذار كامل وتعويض عن جرائم الحرب التي ارتكبتها فرنسا على أراضيها في حقبة الاستعمار، وفي ظلّ استمرار الأزمة الجزائرية - المغربية وتصاعدها، لم يَعد منطقياً عقْد القمة في موعدها وجمْع المختلفين على طاولة واحدة لمدّة زمنية قصيرة لن تكون كافية لتسوية هذه الخلافات. ومن هنا، اقترحت الدول الممثَّلة في المنظمة تأجيل القمة، لا تغيير مكان انعقادها، كما كان يأمل خصوم سعيد.