مقالات مرتبطة
لقاء إردوغان وبايدن لم يخرج بنتائج واضحة حول الخريطة الميدانية في مناطق شرق الفرات
ويبدو أن أنقرة كانت تعوّل على تحصيل مكاسب ميدانية تخوّلها قضم مناطق جديدة في سوريا، ودفْع الأكراد بعيداً عن الحدود في مناطق شرق الفرات التي تَعتبرها مساحة نفوذ أميركي، بالتزامن مع الضغط على روسيا في مناطق نفوذها غرب الفرات، وذلك للحصول على مقايضة تتراجع من خلالها تركيا في ريف إدلب لفتح طريق «M4»، مقابل تقدّمها نحو منبج وتل رفعت، ما يعني بالنتيجة حصد مكاسب مضاعفة من كلّ من واشنطن وموسكو، وهو ما ردّت عليه الأخيرة عبر مناوراتها العسكرية في تل تمر، لتعيد التأكيد أنه لا يمكن الفصل بين شرق الفرات وغربه، وأن الحضور الروسي قويّ في كلا الجانبَين. بموازاة ذلك، برزت نبرة سياسية جديدة لدى «قسد» تميل إلى التحاور مع دمشق، وفق ما أظهرته تصريحات عديدة خلال اليومين الماضيين، أبرزها ما قاله عضو هيئة الرئاسة المشتركة لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» (الحزب المسيطر فعلياً على قسد)، آلدار خليل، الذي أعلن أن «الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا وحزب الاتحاد الديمقراطي جاهزان للحوار مع دمشق بشكل مباشر»، معتبراً أنه «لا بدّ أن يكون الحلّ مع النظام، وليس في جنيف بل في دمشق. ما المانع أن نجلس ونتحاور كسوريين ونطرح الحلول الممكنة للتوصّل إلى صيغة حلّ لعموم القضايا في سوريا»، وفق تعبيره.
وتعيد التصريحات الكردية الجديدة حول الانفتاح الكردي على دمشق، إلى الأذهان، تصريحات مشابهة أطلقها قياديون أكراد قبيل عمليات عسكرية تركية استهدفت مواقع «قسد» خلال الأعوام الماضية (نبع السلام، غصن الزيتون وغيرهما)، الأمر الذي يمكن اعتباره إشارة إلى ورود رسائل أميركية بعدم معارضة واشنطن لشنّ هجمات تركية تطاول مواقع محدّدة، خصوصاً أن تلك المناطق ذات نفوذ روسي أكبر. إلّا أن موقف دمشق يبدو هذه المرّة أكثر صرامة من المرّات السابقة، خصوصاً بعد أن تراجع الأكراد عن تعهّدات كانوا التزموا بها خلالها لقاءات مع مسؤولين في الحكومة السورية بوساطة روسية، وذلك نتيجة تدخّل أميركي، وهو ما أشار إليه بوضوح وزير الخارجية السوري فيصل المقداد، الشهر الماضي، عندما قال إن الأكراد «يعرفون الطريق إلى دمشق»، في إشارة إلى الثوابت التي تتمسّك بها الحكومة السورية، ولعلّ أبرزها تراجع «قسد» عن الانقياد الأعمى خلف الولايات المتحدة، وعن مشروعها الذي تعتبره دمشق انفصالياً ولن تقبل به.
في المحصّلة، لم يغيّر لقاء الرئيس التركي بنظيره الأميركي أيّ شيء على الأرض، حتى الآن، حيث تتابع أنقرة حشد قواتها، وإرسال المزيد من الفصائل السورية التابعة لها إلى محاور التماس، في وقت تتمسّك فيه موسكو برفض أيّ صفقة، وتصرّ على فتح طريق حلب - اللاذقية، كما على التأكيد أنها اللاعب الأبرز في مناطق غرب وشرق الفرات القريبة من الحدود التركية. ويفتح هذا الواقع الباب، في حال عودة الأكراد إلى طاولة الحوار مع دمشق، على عودة مناطق عديدة إلى سيطرة الحكومة السورية، ما يعني أن على أنقرة أن تخوض حرباً سيكون الجيش السوري طرفاً فيه، وهو سيناريو لا ترغب في تكراره، بعد فشله العام الماضي عندما سيطر الجيش السوري على طريق حلب – دمشق «M5»، أو السير نحو معارك ستجد فيها «قسد» نفسها الطرف الأضعف مرّة أخرى، في حال انسياقها خلف واشنطن، وهو ما ترغب فيه تركيا التي ستجد الطريق ممهّداً أمامها لقضم مناطق جديدة في سوريا.