كما أن القمة تنطوي على رسالة تهدئة إلى إسرائيل نفسها، التي ترى، كما حلفاؤها في الخليج، أن انسحاب واشنطن من المنطقة، وما يُسمّى «الخضوع للابتزاز الإيراني»، يؤثّران سلباً على الأمن القومي الإسرائيلي، الذي بات يعاني ثقوباً كبيرة جداً، لا يمكن سدّها من دون مؤازرة الراعي الأميركي. وهكذا، فإن القمّة تُعدّ بمثابة مساندة معنوية للحلفاء في مواجهة المخاطر التي يَرونها داهمة، والمتمثّلة في قدرات «محور المقاومة»، التي ساهم الانكفاء الأميركي في صعودها، قبل أن تبدأ واشنطن، ومن دون أيّ حدود أو ضوابط، بالتنازل أمام رأس هذا المحور، أي إيران، الأمر الذي يعني أيضاً ارتفاع المخاطر التي تمثّلها هذه الأخيرة.
يجتمع ممثّلو الأنظمة العربية في النقب لتأكيد اصطفافهم خلف الولايات المتحدة على رغم سخطهم عليها
مع ذلك، يجتمع ممثّلو الأنظمة العربية المُطبّعة في النقب (بغياب وزير الخارجية الأردني، في ما يحمل أكثر من رسالة إلى الحلفاء والراعي الأميركي، أهمها حذف القضية الفلسطينية من على طاولة الفعل والمبادرة، وسط غليان فلسطيني في الأراضي المحتلة، يؤدي إلى الإضرار بالنظام الحاكم في الأردن، لكن هذا الاعتراض لن يفسد في الودّ قضية على الأرجح) اصطفافهم خلف الولايات المتحدة، وإن كانوا مدركين أن التطمينات الأميركية لهم لا تتجاوز حدود الفعل الكلامي، وأنها لن تحدّ من التهديدات المحدقة بهم، كما لن توقف المسار الذي تختطّه المقاومة في فلسطين، والذي تشكّل العمليتان الأخيرتان في الداخل المحتلّ أحدث تجلّياته. وفي هذا الإطار، لا تنكر التقديرات الأمنية في الكيان العبري حقيقة أن العمليتَين إنّما تشكّلان ردّاً على «قمّة النقب»، ولو أن غايتهما الرئيسة في مكان آخر، ولعلّ ما تَقدّم هو واحد من أهمّ تداعياتهما، كما يَرِد في النقاشات الدائرة في تل أبيب. من ناحية ثانية، تركّز التقديرات الإسرائيلية على كون الهجومَين تعبيراً عن مسار بدأ للتوّ ويُقدَّر له أن يستمرّ، في صورة عمليات يُلهم بعضُها بعضاً. وهنا، يتداخل المعطيان الخاص والعام، فيما تتقاطع ساحة الداخل مع ساحات القدس والضفة وغزة، ناهيك بالترابط، بقصد أو من دونه، بساحات المواجهة الأخرى الأكثر إثارة للقلق، ما يعني أن إسرائيل ستكون أمام عدّة تحدّيات يمكن تلخيصها بالآتي:
أوّلاً: ستكون تل أبيب معنيّة بمعرفة ما إن كانت العمليتان متأتّيتَيْن من قرار «ذئاب منفردة»، أم أنهما نتيجة قرار من أعلى عبر تنظيم ما. وفي هذا الإطار، يوضع تنظيم «داعش» الذي تبنّى العمليتَين على قائمة الاحتمالات، على رغم أن إعلان المسؤولية نفسه لا يعبّر في العادة عن حقائق الواقع.
ثانياً: ستكون إسرائيل معنيّة بالردّ على العمليتَين، عبر إجراءات عقابية تأمل أن تردع الآخرين عن تقليد المنفّذين، من دون أن تكون الإجراءات نفسها سبباً في الدفع نحو عمليات جديدة؛ وتلك مفارقة تستأهل المراقبة والمتابعة.
ثالثاً: يبدو أن التقديرات الإسرائيلية حول إمكانية التدحرج إلى مواجهة في شهر رمضان، ستردع سلطات الاحتلال عن اتّخاذ إجراءات عقابية كان يُفترض، في هذه الحالة، أن تكون أوسع وأشمل، وأن تتمدّد في اتجاه الضفة الغربية وقطاع غزة. وتلك واحدة من النتائج التي تعبّر عن تشابك القضايا والجبهات، من دون إمكانية عزلها بعضها عن بعض، حيث ترفد كلّ منها الأخرى بعوامل المِنعة.
رابعاً: أثّرت العمليتان، بوصفهما - كما ظهرتا على الأقلّ - ردّاً على «قمّة النقب» على ما أراد الأميركي تحصيله من القمّة، والذي كان متركّزاً على الشكل دون المضمون؛ كون مضمونهما أكثر تأثيراً في الوعي، من تأثير الشكل المتجسّد في اجتماع النقب.