ولا يبدو حال الذين قرّروا البقاء في مدينة رأس العين وأريافها، أفضل من حال النازحين، في ظلّ استمرار الصراع الدامي بين الفصائل المسلّحة على النفوذ. وعلى رغم مرور نحو عامين ونصف عام على الاحتلال التركي للمدينة، إلّا أن معظم أعضاء «المجلس المحلي»، المشكّل من قِبَل السلطات التركية، يخشون الاستقرار فيها، ويغادرون مساءً للمبيت في تركيا، والعودة إلى رأس العين صباحاً، نتيجة الأوضاع الأمنية المتردّية، والمخاوف من اندلاع اشتباكات في أيّ لحظة. كما أن المدينة وأريافها غارقة في أغلب الأحيان في الظلام الدامس، نتيجة عدم وجود مولّدات كهربائية، وتكرّر الخلافات مع «قسد» حول ضخّ المياه من محطّة علوك مقابل تزويد رأس العين بالكهرباء، والتي أدّت إلى أزمات متكرّرة، وانحسار الحركة التجارية بشكل كبير. كلّ ذلك جعل غالبية السكان يعزفون عن العودة إلى منازلهم، ولذا، تكاد أعداد العائدين لا تُذكر، فيما كثيرون لا يُبدون رغبة في الرجوع أصلاً. ووفق إحصاءات أجراها «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق شؤون اللاجئين»، فإن «نحو 150 ألف مدني تركوا منازلهم خلال الهجمات العسكرية التركية في ما سُمّي معركة نبع السلام»، قبل أن يعود عدد قليل منهم إلى المدينة، بعد انتهاء المعارك منذ نحو عامين ونصف عام.
لا يبدو حال الذين قرّروا البقاء في مدينة رأس العين وأريافها أفضل من حال النازحين
وفي المقابل، قامت السلطات التركية بنقل المئات من عوائل المسلّحين الذين كانوا لاجئين داخل الأراضي التركية، إلى مدينة رأس العين وأريافها، وأسكنتهم في منازل أهالي المدينة الأصليين، بينما غالبيّة تلك العوائل متحدّرة من دير الزور وإدلب وحماة، وهو ما شكّل حاجزاً إضافياً أمام أيّ محاولة للعودة. وفي هذا السياق، تقول أم محمد، التي تقطن اليوم في رأس العين، في اتصال مع «الأخبار»، إن «المدينة تغصّ بالسكان، لكنّهم في غالبيتهم ليسوا من سكّانها الأصليين»، مشيرة إلى أن «نحو ربع الأخيرين عادوا إلى المدينة بعد انتهاء المعارك فيها، وما تبقّى هم وافدون من محافظات سورية متعدّدة». وتلفت إلى أن «معظم من عادوا يعيشون هاجس الموت والاختطاف، في ظلّ انعدام الأمان»، وأنهم «رجعوا لهدف وحيد، هو المحافظة على ما تبقّى من ممتلكاتهم». لكنّ أم محمد تعتبر أن «معظم السكّان يعرفون أن الواقع الحالي طارئ»، وأن «المدينة لن تبقى فيه إلى الأبد».