وتتساوق هذه التطورات مع مباشرة الولايات المتحدة إجراء تعديلات عسكرية في المنطقة، بدأت بتولّي الجنرال مايكل كوريلا قيادة العمليات الأميركية في الشرق الأوسط خلفاً للجنرال كينيث ماكنزي، الذي أحيل على التقاعد، قبل نحو ثلاثة أشهر، كما أعادت إحياء مشروع «حماية المواقع النفطية» في سوريا، الذي بدأ خلال فترة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وتمّ تجميده في الفترة الأولى من تولّي الرئيس الحالي جو بايدن مقاليد الحكم. وتظهر سياسة واشنطن العسكرية في سوريا تقسيمها لمناطق سيطرة «قسد»، حيث تتحصّن القوات الأميركية في المواقع النفطية ومحيطها، وتدرّب قوات خاصّة لحمايتها، تاركةً المناطق الأخرى غير النفطية القريبة من نقاط التماس مع تركيا لروسيا.
تتساوق الجهود الأميركية الجديدة مع مباشرة الولايات المتحدة إجراء تعديلات عسكرية في المنطقة
ويبدو أن واشنطن تمكّنت من إقناع «قسد» بأن الطريقة الوحيدة لتلافي الهجوم التركي الوشيك تكمن في الجلوس على طاولة الحوار مع «المجلس الوطني». وتجلّى ذلك خلال مشاورات «قسد» الداخلية حول ضرورة تقديم تنازلات لـ«المجلس الوطني» وزيادة تمثيل أحزابه في «الإدارة الذاتية»، تمهيداً لحوار مباشر مع أنقرة، يمكن أن يفتح الباب أمام الأكراد للانخراط في تحالف المعارضة (الائتلاف)، الذي أعادت تركيا، أخيراً، هيكلته. وفي وقت تشتكي فيه «قسد» من تصاعد وتيرة الهجمات التركية، تحمّل الولايات المتحدة روسيا مسؤولية هذا التصعيد، كونها تُعتبر الضامن في مناطق التماس، وهي النقطة التي تركّز عليها واشنطن لإعادة هيكلة «قسد»، بعدما نجحت في استمالتها بشكل كبير وإبعادها عن المعسكر الروسي، فضلاً عن التوتّر الكبير الذي سبَّبه اقتحام قوات «الأسايش» الكردية مواقع حكومية سورية في القامشلي والحسكة، ومخاوف «قسد» من تأثير الحرب الأوكرانية على «صفقات» محتملة، وتغيّر في المعادلات الدولية، خصوصاً مع عودة التقارب التركي – الأميركي. وفي هذا الإطار، سيلتقي وزيرا الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، والأميركي أنتوني بلينكن، الشهر المقبل، في العاصمة الأميركية، لمناقشة القضايا العالقة، ومن بينها ملف «قسد»، إذ تعتزم أنقرة، وفق وزير خارجيتها، نقْل استيائها «من بعض تصرّفات واشنطن، خاصّة دعمها (قسد) شمال سوريا». وتضع المساعي الأميركية الأخيرة «قسد»، مرّة أخرى أمام مفترق، وسط خيارات أقلّ، تفضي بمجملها إلى توسّع تركي جديد. ويعيد هذا التذكير بالمرّات السابقة التي تخلّت فيها واشنطن عن «قسد» لإرضاء أنقرة، على الرغم من أن الشكل الجديد لـ«التخلي» سيكون دبلوماسياً هذه المرّة، ولكن مع ضمان أن تكون نتائجه استمرار ابتعاد الأكراد عن دمشق، واستمرار الوضع الميداني القائم.