فشل وليّ العهد حتى الآن في التخلُّص من النافذين في الأسرة
جديد عهد ابن سلمان أيضاً وجود معارضة قوية من خارج الأسرة لم تكن بهذه القوة سابقاً. فالنشطاء والمنشقّون عن النظام في السجون وفي الخارج يتزايدون ويصبحون أقوى، ويتلقّون دعماً خارجياً، غربياً بالتحديد. إلّا أن الأعلى صوتاً والأكثر تأثيراً من بين هؤلاء، عدد من أبناء وأقارب رجال دين وناشطين وناشطات معتقلين أو ممنوعين من السفر. وأبرز هؤلاء وأخطرهم على الإطلاق سعد الجبري، الذي كان وكيلاً لوزارة الداخلية بمرتبة وزير، واليد اليمنى لمحمد بن نايف، لكونه تحكّم بالملفّ الأمني للمملكة خلال عقدَين من الزمن. وقد أظهر الجبري شذرة من خزّان المعلومات الذي يملكه، حين كشف أن وليّ العهد خطّط لاغتيال الملك الراحل عبدالله. وهو يخوض معركة قضائية طاحنة مع ابن سلمان في محاكم كندا والولايات المتحدة، بعد فشل محاولة الأخير اغتيال الأوّل على طريقة تصفية خاشقجي، واتّخاذه اثنين من أبنائه وصهره رهائن للضغط عليه، لكن ارتفاع صوت الجبري على الرغم من ذلك، يشير إلى محدودية قدرة ابن سلمان أيضاً على استخدام الرهائن في الضغط على أقاربهم.
قد تكون حملة «الريتز» وانقلاب القصر نجحا في كتم صوت المعارضة لابن سلمان في الفترة الأولى الحاسمة لتسلُّمه السلطة، كونه كان يحظى بدعم من الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، وصهره جارد كوشنير، الذي تَبيّن، بحسب تقارير صحافية، أنه سرّب إلى وليّ العهد معلومات مخابراتية حسّاسة تتعلّق بنِيّة ابن نايف الإطاحة بأبيه قبل أن يُطاح به، فاستبقه الأول ودبّر عملية عزله ومن ثمّ احتجازه، لينال كوشنير مقابلاً مالياً على شكل استثمار سعودي بمليارَي دولار في صندوق يمتلكه. لكن في الفترات اللاحقة، ومع استمرار تلك العقبات الكبرى، انتقل ابن سلمان إلى محاولة تحوير هوية المجتمع، بهدف تغيير مصدر شرعيّة الحُكم، خصوصاً بالتوجّه إلى فئة الشباب لإغرائها بالحفلات الراقصة، فرعى أكبر عملية كيّ وعي للمجتمع السعودي في تاريخه، لإبعاده عن التديّن الذي استمدّت صيغة الحُكم السابقة شرعيّتها منه، وتوجيهه نحو الترفيه، مُهمِّشاً دور الوهابية، شريكة الأسرة الأصغر. وعلى الخطّ المقابل، ترأّس أجهزة دولة بوليسية تقمع أيّ معارضة بلا رحمة، وهي الأداة الرئيسة في يده لإخضاع الآخرين. آخر حملات ابن سلمان، عزل عدد من القضاة بتهمة الخيانة العظمى. وبعض هؤلاء كان لهم دور في الأحكام التي صدرت ضدّ المعارضين، مِن مِثل عبدالله اللحيدان الذي حكم على لجين الهذلول بالسجن ثلاث سنوات لمطالبتها بالسماح للمرأة بقيادة السيارة، كما قضى بسجن المعارض عبد الرحمن السدحان 20 عاماً، ومنعه من السفر 20 عاماً أخرى، عقاباً له على تغريدة. ومن القضاة المعزولين عبد العزيز مداوي الجابر الذي أصدر جزءاً من أحكام الإعدام التي نُفّذت أخيراً ضدّ 81 شخصاً، بينهم عشرات من أبناء الطائفة الشيعية، ومن هؤلاء الطفل عبدالله الزاهر.
وحتى يرفع «سيّده» فوق مستوى التشكيك، ابتدع له سعود القحطاني بدعة «السعودية العظمى»، القائمة من جهة على القول لا لأميركا، كما يحصل حالياً في مسألة زيادة إنتاج النفط، وازدراء رئيسها، وتسليط الضوء على تهافت القوى البديلة على المملكة كالصين وروسيا، ومن جهة ثانية، على إطلاق العنان للطموحات الاقتصادية المبالَغ فيها، وهذه تجسّدت في «رؤية 2030»، التي تبدو غير قابلة للتحقُّق حتى مع الطفرة النفطية الحالية، إذ ما زال السعوديون يعانون من ارتفاع الضرائب والبطالة، في الوقت الذي بدأ فيه المواطنون في دول خليجية أخرى، كقطر والكويت، يلمسون آثارها. لكن تلك «السعودية العظمى» خسرت كلّ حروبها العسكرية والسياسية، كما اليمن وقطر وغيرهما.
ابن سلمان، مع ذلك، نجا حتى الآن من دفع أيّ ثمن يُذكر لاندفاعاته وتجاوزاته الكثيرة، لكن هذا لا يمنع حقيقة أن الظروف في السعودية مهيّأة أكثر من أيّ وقت مضى للتغيير، إذا ما هبّت رياحه.