الملاحَظ في هذه الجولة الاهتمام الأميركي الواضح بمجرياتها
الملاحَظ في هذه الجولة الاهتمام الأميركي الواضح بمجرياتها، استمراراً للاهتمام الذي أولته واشنطن سابقاً لعمل «الدستورية»، إذ أجرى مساعد وزير الخارجية الأميركي، إيثان غولدريتش، سلسلة لقاءات على هامش الاجتماعات، مع بيدرسن، والمبعوث الإيطالي الخاص إلى سوريا، بالإضافة إلى رئيس وفد المعارضة أنس العبدة. ويتزامن النشاط الأميركي على هذا المسار مع مساعي واشنطن لتمديد العمل بقرار إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود وخطوط التماس، والذي تنتهي مفاعيله في شهر تموز المقبل، وسط رفض روسيا تمديده، بسبب مخاوفها من استعمال هذه المساعدات في تقديم دعم للفصائل «الإرهابية»، إضافة إلى الأثر السياسي التقسيمي الذي تكرّسه تلك الآلية، وفق تصريحات مسؤولين روس.
أيضاً، تزامنت اجتماعات الجولة الثامنة مع تصعيد سياسي وميداني تركي في سوريا، في ظلّ رغبة أنقرة في استثمار التوتّر الدولي السائد على خلفية الحرب الروسية على أوكرانيا، لقضم المزيد من الأراضي السورية قرب شريطها الحدودي، ضمن مناطق تسيطر عليها «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) المدعومة أميركياً، والمستبعَدة من اجتماعات «الدستورية». كذلك، تأتي هذه الجولة بعد إجراء أنقرة تغييرات في هيكلية «الائتلاف السوري» المعارض، حيث تمّ استبعاد عدد من الشخصيات المحسوبة على قوى دولية بعينها، وتخفيض تمثيل «الإخوان المسلمين»، بالإضافة إلى تشكيله وفق آلية تسهّل لأنقرة التحكّم به. ولعلّه يمكن لكلّ ما تَقدّم أن يفسّر جانباً من جوانب الهدوء الذي يَظهر خلال الاجتماعات، وتكثيف النشاط على خطّ «الدستورية»، وإعطاء وقت أطول لطرح المحاور التي تتمّ مناقشتها، بما أدّى إلى زيادة عدد أيام كلّ جولة إلى نحو أسبوع بدلاً من أربعة أو خمسة أيام، بالإضافة إلى تقريب الفترات الفاصلة في ما بينها.
وعلى أيّ حال، لم تنجح اجتماعات «الدستورية»، التي وصلت إلى جولتها الثامنة حتى الآن، في وضع أرضيّة حقيقة يُبنى عليها لحلّ الأزمة السورية سياسياً، وهو أمر يبدو أنه ما زال بعيد المنال في ظلّ التسخين المتواصل لميادين الصراع في سوريا، ضمن محاولات استثمار الحرب السورية من أطراف عديدة، أبرزها واشنطن التي تريد ترسيخ حالة الانقسام القائمة، وأنقرة الساعية لشرعنة احتلال مناطق حدودية، واستثمار هذا الاحتلال في الدعاية الانتخابية الرئاسية، بالإضافة إلى ارتباط الحرب السورية بالتوتّر والانقسام الدوليَّيْن على خلفية الحرب الأوكرانية.