زيارة المقداد إلى موسكو تمهّد للانتقال إلى مرحلة العمل على الأرض بدلاً من التصريحات
وفي ما يخص التسريبات المتواصلة حول ترتيبات لإجراء لقاء أو اتصال بين الرئيسين السوري بشار الأسد والتركي رجب طيب إردوغان، والتي لم تؤكدها أو تنفِها دمشق، يسود اعتقاد في الأوساط السياسية السورية بأن لقاءً من هذا النوع يمكن أن يحدث، بل هو أمر حتمي بين دولتين جارتين تسعيان لبناء علاقات متوازنة تضمن مصالحهما المشتركة. غير أن اجتماع كهذا، وفقاً للمعطيات الحالية، لا يزال مشروطاً بخطوات فعلية على الأرض، واتفاقات واضحة ومحددة بجدول زمني لحل ملفات معقدة عدة، على رأسها إدلب التي تشهد خلال الأيام الحالية تصعيداً متزايداً، بالإضافة إلى مشكلة الوجود العسكري التركي في الشمال السوري، والذي تصنّفه دمشق احتلالاً. ولا يزال النظر في هذه القضايا الإشكالية في بدايته، ما يعني أن الحديث عن لقاء على المستوى الرئاسي يُعتبر متعجّلاً، ما لم تحدث اختراقات تُسرّع من سير العملية، أو على العكس تتسبب بعرقلتها في ظل المحاولات الأميركية المستمرة لضرب الجهود الروسية والإيرانية في ذلك السياق. وقد كان الرئيس التركي واضحاً في تصريحات أدلى بها أثناء عودته من أوكرانيا قبل أيام، عندما هاجم الولايات المتحدة و«التحالف الدولي» الذي تقوده، واعتبرها «داعمة للإرهاب»، في إشارة إلى الدعم الأميركي للقوى الكردية المسلحة التي تسعى لترسيخ «الإدارة الذاتية» كأمر واقع.
بالنتيجة، ثمة عوامل توافقية عدة بين دمشق وأنقرة، من بينها رفض وجود القوات الأميركية في سوريا، ورفض النزعة الانفصالية الكردية، بالإضافة إلى التوافق على ضرورة العمل على إعادة اللاجئين والنازحين، وهو من الملفات الأكثر أهمية بالنسبة لتركيا في الوقت الحالي، في ظل الضغوط المتزايدة على رئيسها مع اقتراب الانتخابات، التي يشكل هذا الملف عنواناً رئيساً لحملات القوى المعارضة فيها. لكن في المقابل، ثمة ملفات خلافية عدة، من بينها المشاريع السكنية التي تبنيها تركيا في ريفَي حلب وإدلب لتشكيل حزام سكاني مرتبط بها، إضافة إلى عمليات التتريك في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وعلاقة أنقرة بفصائل «جهادية» تسيطر على إدلب، فضلاً عن الملف الكردي. وما لم تبادر تركيا إلى خطوات عملية لحلحلة تلك المعضلات، فإن تصريحاتها «الانفتاحية» على دمشق ستبقى في سياق «الدعاية الانتخابية» أو «التلاعب السياسي التركي»، خصوصاً أن أنقرة أثبتت خلال السنوات الماضية براعة في القفز على الحبال والانتقال ما بين أقطاب الصراع الدولي.