لم يحمل قائد القوات الروسية في سوريا، ألكسندر تشايكو، «أيّ جديد» بالنسبة إلى«قسد»، وهو الذي طار إلى القامشلي، أوّل من أمس الأحد، تلبيةً لدعوة وَجّهها إليه قائد «قوات سوريا الديموقراطية»، مظلوم عبدي. وبحسب مصادر كردية تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن المسؤول العسكري الروسي أعاد تذكير القيادات الكردية بتعهّداتها السابقة، والتي تقضي بضرورة تسليم الشريط الحدودي للجيش السوري، بما يتيح إيقاف العملية التركية ووأْدها في مهدها. وفي المقابل، سمِع تشايكو، مرّة أخرى، الإجابة الفضفاضة نفسها، حول الانفتاح على الحوار مع دمشق، بشرط أن يكون شاملاً، ما يعني تسليم المناطق الحدودية مقابل ضمانات من بينها الإبقاء على «الإدارة الذاتية»، وهو ما لم ولن تقبل به الحكومة السورية.
المصادر التي أفادت بأن اللقاء جاء بعد آخرَين أمنيَّين مع مسؤولين من «قسد» طلبت خلالهما الأخيرة الاجتماع بتشايكو شخصياً، أكدت أن مجريات المباحثات أظهرت عدم امتلاك عبدي، الذي يُعتبر من صقور واشنطن في «الذاتية»، أيّ عرض جدّي وواضح يكفل منْع الهجوم البرّي التركي، موضحةً أن عبدي أراد، بدلاً من ذلك، الوصول إلى ثلاث غايات، هي التالية:
- الأولى، محاولة معرفة مدى جدّية الأتراك في تلويحهم بالعملية البرّية، ومدى صلابة الموقف الروسي الرافض لها.
- الثانية، إعلامية، عبر محاولة استثمار اللقاء لتهدئة الأوضاع داخل مناطق «الإدارة الذاتية»، وتبرير أيّ فشل مستقبلي في التصدّي للهجوم بأن «قسد» قامت بكلّ ما يمكنها القيام به لمنْعه.
- الثالثة، كسْب مزيد من الوقت على أمل إقناع واشنطن بأن «تَفرض كلمتها» على أنقرة، وتُوقف العملية البرّية.
سمع تشايكو الإجابة الفضفاضة نفسها من «قسد» حول الانفتاح على الحوار مع دمشق
ويدعم هذا الأملَ الأخير، من وُجهة نظر «قسد»، لقاءٌ سابق جمع عبدي بمبعوث الولايات المتحدة إلى شمال وشرق سوريا، نيكولاس غرينجر، كرّر خلاله المسؤول الأميركي رفْض بلاده أيّ هجوم تركي من شأنه تغيير خريطة السيطرة الحالية، من دون تقديم ضمانات بمنْع الهجوم، أو حتى الحدّ من المجال الجوي الذي تستعمله الطائرات الحربية التركية في عمليات القصف المتواترة ضدّ مواقع «قسد»، خصوصاً أن المنطقة التي تسعى تركيا لقضمها تقع ضمن مساحة نفوذ روسيا (عين العرب وتل رفعت كخطوة أولى، تليها منبج). وتُعيد تحرّكات «قسد» الأخيرة، إلى الأذهان، أخرى مُشابهة قامت بها قُبيل عمليات عسكرية سابقة نفّذتها أنقرة، وقضمت خلالها مناطق عديدة كانت تحت سيطرة القوى الكردية، أبرزها عفرين في ريف حلب وتل أبيض في ريف الرقة، قبل أن تُوقف عملياتها بموجب اتّفاقيات مع واشنطن من جهة، وموسكو من جهة أخرى، تقضي بأن يبتعد الأكراد بعمق 30 كلم عن الحدود، وهو ما وافقت عليه «قسد» في حينه، من دون أن تلتزم بتنفيذه.
وبالتوازي مع استمرار المحاولات الكردية لشراء الوقت، كرّر مسؤولو «قسد» دعوة الجيش السوري إلى التصدّي للهجوم التركي، في تكتيك مُطابق لِما انتهجوه عشيّة الهجمات التركية السابقة. لكنّ هذه الدعوات قابلتْها دمشق آنذاك بقبول التدخّل شرط انسحاب المقاتلين الأكراد، وتسليمهم الشريط الحدودي للجيش السوري من دون أيّ شروط، الأمر الذي فضّلت «قسد» خسارة مناطق إضافية على حدوثه. واندرج ذلك، في الواقع، في إطار محاولات الجناح الأميركي في «الإدارة الذاتية» - وهو الأقوى - فرْض الأخيرة كأمرٍ واقع، ومناقشة جميع الملفّات دفعة واحدة، على الرغم من وجود آراء عديدة لسياسيين ومسؤولين في «قسد» بضرورة الانفتاح على الحكومة السورية، كسبيل وحيد لوضع حدٍّ للتهديدات التركية.
في هذا الوقت، ذكرت مصادر ميدانية أن الجيش التركي، الذي هدّأ من وتيرة القصف الجوّي خلال الأيام الماضية قبل أن يعاوِد تنشيطه في ريف حلب، يتابع استعداداته لشنّ هجوم برّي، سواء لناحية إدخاله مزيداً من القوات والمدرّعات عبر معبر باب السلامة الحدودي في ريف حلب، أو تسريع وتيرة استعدادات الفصائل السورية التابعة له، أو حتى استكمال الاستعدادات اللوجتسية مِن مِثل تجهيز المستشفيات في المناطق الحدودية. وفي المقابل، لم تتّخذ «قسد» أيّ إجراءات جديدة استعداداً للهجوم، الذي توعّد عبدي بالتصدّي له، باستثناء بعض الإجراءات الأمنية المتعلّقة بتحرّكات المسؤولين الأكراد المُعرَّضين للاستهداف.