بالقواعد الديبلوماسية، يستغرب البعض فعلة النظام البحريني مع ابن جاسم عقب الاستعانة به وتكليفه رسمياً للتواصل مع الشيخ سلمان. هي أشبه بالمراهقة. كيف يستوي الحديث عن مؤامرة مع اطّلاع الملك على كلّ خطوة كان يُقدم عليها رئيس وزراء قطر، لا بل شراكة آل خليفة في المفاوضات؟ مقابلة ابن جاسم التي عُرضت على تلفزيون قطر الرسمي عقب بدء معزوفة تآمر الشيخ علي مع الدوحة في الـ2018، تثبّت أمريْن:
• كلّ تحرّك قام به المسؤول القطري كان بناءً على الاتفاقات المُسبقة والتمهيدية مع مساعد وزير الخارجية الأميركي آنذاك، جيفري فيلتمان، ووزير الخارجية السعودي السابق، سعود الفيصل، بالتنسيق مع الملك البحريني شخصياً، عبر وليّ العهد سلمان بن حمد.
• الافتراء برمّته غير قابل للتصديق، فحمد بن جاسم يقول بصراحة إنه هاتف الشيخ علي سلمان الذي كان يجلس إلى جانبه فيلتمان بهدف ترتيب اللقاء، أي أن الأميركي حاضر أيضاً أثناء هندسة المفاوضات، فهل الأميركي متورّط في المؤامرة المفترضة أو على علم بها؟
إلى جانب ذلك، مُعطيات عام 2011 تؤكد أن السلطة كانت على تَواصل مباشر مع الشيخ علي. المعلومات تجزم أن الملك تحدّث شخصياً معه، مُبدياً أمامه انفتاحه على الحلّ، ومُبلّغاً إيّاه بأنه وَكّل وليّ العهد (نجله) سلمان بالمَهمّة، وقال حرفياً: «حلّوا الأمر». في هذه الفترة، خرج وزير خارجية البحرين، خالد بن أحمد، عبر قناة «العربية» ليصف دور قطر بـ«الإيجابي جدّاً» في أحداث 2011. كلامٌ رسمي بعيد عن أيّ التباس يدحض أيّ تلفيق قادم بعد 7 سنوات ستندلع فيها الأزمة الخليجية.
النظام على قطيعة تامّة مع أطراف الأزمة ممّن هم في السجن وداخل وخارج البحرين
ملفّ اتهام الشيخ علي كيديٌّ بحت، وفاقد لأيّ حجج مُقنعة. الدليل الوحيد خضع للتلاعب التقني، وهو ما يؤكده خبراء تقنيون لم يؤخذ بشهادتهم أثناء محاكمة أمين «الوفاق». اليوم، وكما الأمس، يستطيع النظام الادّعاء بما يحلو له. كلّ أدوات القمع بيده، والخيار الأمني ملعبه. يروّج لمسرحية الديموقراطية في البلاد، وبأنه مقبل على صفحة جديدة مليئة بالتحدّيات والإنجازات لتعميق الوحدة الوطنية، لكنّه يدرك في قرارة نفسه أنه منفصلٌ تماماً عن الواقع. لا الانتخابات ولا التعيينات المدروسة بعناية يمكنها أن تبيّض صفحته السوداء سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وإنسانياً.
إعلان حسن النوايا ينطلق في البحرين من اسم الشيخ علي سلمان. هو القاعدة التي يُبنى عليها لحسم أيّ رغبة بالتغيير الفعلي. ربّما يمكن تشبيهه ببوصلة الإصلاح. بقاؤه في السجن يعني استمرار الأزمة على حالها، وخروجه مؤشّر جدّي إلى انطلاق عجلة التغيير. فلا حلّ حقيقياً من دون التواصل مع الطرف الآخر في البلد. ومتى وسّع الملك المشهد أمامه، سيتذكّر ويتلمّس إجماع الشعب والمعارضة والنُخب على مكانة أمين «الوفاق» لديهم.
على الأرض، الكلام عن الحوار غائبٌ بالمطلق. لا قنوات تواصل، لا وساطات تعمل. النظام على قطيعة تامّة مع أطراف الأزمة ممّن هم في السجن وداخل وخارج البحرين. هذا يعني شيئاً واحداً: السلطة غير جاهزة لأيّ مفاوضات، وحتى تهيئة الظروف معدومة. تنشغل فقط بترسيخ الأزمة عبر عزل 100 ألف مواطن يُشكّلون أساس العمل السياسي في المملكة، وإجراء انتخابات نيابية مزيّفة فاقدة للشرعية الشعبية مع مقاطعة فاقت دورتيْ 2018 و2014، جرّاء استفحال الغلاء وازدياد الضرائب وضرب المعاشات التقاعدية وفرض التطبيع مع الكيان الصهيوني بالقوّة.
بالموازاة، يتعاقب الرؤساء والحكومات حول العالم والسلطة البحرينية تُراوح مكانها. لا مراجعة لأخطاء السنوات الإحدى عشر. الحاشية ظلّت في الواجهة. الملك في قصره، وأمين الشعب يَفدي مواطنيه بحريّته.