ما يجعل الكتابة صعبة، أو مملة، أن هناك في العالم من صدق الدعايات الصهيونية، عن عدم وجود شعب في فلسطين، والأنكى من ذلك، أن أنتقل كفلسطيني في مكان ما من موقع الدفاع عن فلسطين، للدفاع عن وجودي كإنسان، إن لم يكن هناك أحد، فمن أكون، ومن تكون جدتي وجدي، ومن يكون كل هؤلاء الذين هجروا من قراهم ومدنهم، ومن هؤلاء الذين تبقوا في فلسطين، ومن هؤلاء الـ 14 مليون فلسطيني في فلسطين والعالم، من نحن أيها العالم. هذا الأمر الذي اشتغل عليه العالم «المتحضر» يدعو لرثاء كل شيء، يدعو إلى الإنصات لنشيد موت العالم بهدوء عند حدود فلسطين مع العالم أجمع. ليس في العالم أحد، هذه كذبة جديدة أُطلقها من هنا، كل ما هو خارج فلسطين ليس موجوداً، ووهم. العالم يدور حول فلسطين، من أحب أن يكون فليأتي ليتأكد، أن فلسطين هي الموجودة والباقي خيالات.
من المسلي ترويج كذبتي الصغيرة، فقد تبني لنا حلماً، وقد تبني لنا وطناً، كما بني لليهود في فلسطين وطن من كذب، من خرافة الدين.
ليس في العالم أحد، هذه كذبة جديدة أُطلقها من هنا، كل ما هو خارج فلسطين ليس موجوداً، ووهم
ومن المسلي أكثر، أن أجرّب وصف حكايتنا الفلسطينية بواقعها الحالي. فإسرائيل التي أقاموها فوق فلسطين، ظلت تحتها وفوقها فلسطين، ففلسطين تحاصرها، ومن حولها فلسطين الشتات، وفلسطين هذه، بفعل إسرائيل، حولت الفلسطينيين إلى «يهود جدد» مشتتين في كل العالم، ويسكن أغلبهم في مخيمات، تشبه في بعض البلدان العربية «الغيتوات»، وأولادها ينتشرون في كل العالم، يحملون جنسيات مختلفة، ومع ذلك أصولهم من فلسطين، وهنا يفرقون عن الإسرائيليين الذين تعود أصولهم إلى العديد من الدول التي حصل الفلسطينيون على جنسياتها. وهؤلاء يتطورون في كل شيء، علمياً ومعرفياً وثقافياً ومالياً، ويتحضرون جميعاً للعودة إلى ديارهم.
التسلية التي ذكرتها، ليست تسلية، إنها نكد، ومن نكد الدهر علينا، أن نفسر الكذب بكذب، على بعض صدقه، لكن من حسن حظ تسليتي أن فيها من الحقيقة حقيقة، وإن كان منا من يرى بأن إسرائيل ستزول من داخلها، فهذا لأن فينا من يهزم إسرائيل من الداخل، ليس بالسلاح فقط، بل بالوجود الحتمي كفلسطينيين إلى الأبد وإلى الأبد.
كان يمكن لهذه الكتابة أن لا تبتسم، هذا صحيح، وبعض الأجداد، عاهدوا أنفسهم أن لا يضحكوا حتى تتحرر فلسطين، فبكت قبورهم، لكن نحن أحفادهم، أمامنا فرصة لنبتسم، ففلسطين أمامنا، لا خلفنا.