أكّدت مصادر من «اتحاد الشغل» أن مبادرة الأخير للحوار الوطني اكتملت
في هذا الوقت، يستمرّ «الصراع البارد» بين السلطة والأمانة العامة لـ«الاتحاد العام التونسي للشغل» الذي لم يُصدر بعد مبادرته للحوار الوطني، إذ لا تتوفّر ضمانات للسير بها أو أخذها على محمل الجدّ، ولا سيما أن سعيد يواصل مهاجمتها، فضلاً عن الصراعات الداخلية للمنظّمة التي تُضعف قدرتها، والارتباك العاصف بالمجتمع المدني، شريك النقابات، الذي لم يَقدر على تشكيل قوّة قادرة على إحداث نوع من التوازن. وانطلاقاً من هنا، يُرجّح أن يكون طرح المبادرة في هذه الظروف، بلا أثر وبلا جدوى. فالأصل أن تكون المبادرات إمّا مفتاحاً لحراك حقيقي، أو أن تكون مرجعاً نظريّاً لحراك يكسر حالة الجمود، وهما احتمالان لا تتوافر ظروفهما الموضوعية. ولعلّ ما تقدَّم يجعل قيادة الاتحاد تتريّث - وربّما تتردّد - في إطلاق المبادرة. ووفق مصادر «اتحادية» تحدّثت إلى «الأخبار»، فإن لجان المبادرة أَتمّت عملها، بما فيه إنجاز «الوثيقة السياسية» التي تُعتبر الركيزة الأساسية لمجمل الحلول المقترحة في مختلف المجالات.
وتدرك السلطة أن ارتهان الحركتَين المدنية والسياسية لنسق تحرّك «الاتحاد العام التونسي للشغل» مسألة تاريخية، لِما لهذه المنظّمة الاجتماعية من تأثير في الحَراك، وكونها ظلّت على الدوام حامية لكلّ القوى خارج السلطة، واستطاعت أن تُحدث توازناً مع كلّ الأنظمة، ومعها يكون التفاوض للخروج من الأزمات أو الحدّ منها. ومع ذلك، ربّما تكون الصعوبات التي يعيشها الاتحاد اليوم فرصة لإحكام النظام سيطرته أكثر على المجال العام، وخصوصاً مع سعي الأخير إلى تعزيز التعاون بينه وبين منظمَتين نقابيتَين «موازيتَين» يلتقي مسؤولوهما بمسؤولين حكوميّين وبرئيس البرلمان، وتَلقَيان دعماً رسميّاً وعلنيّاً، في رسالة واضحة إلى المنظّمة النقابية التاريخية، مفادها أنها لن تكون الطرف الوحيد المعنيّ بالتفاوض، وأن إشراك الطرف النقابي في أيّ مسار لن يقتصر عليها. ولأن حضور هاتَين المنظمتَين كان محتشماً على مستوى التعبئة العمّالية، فإن دعم السلطة قد يوفّر لهما حضوراً أكبر في مختلف القطاعات. وتقابل محاولاتُ وضعِ اليد هذه، محدودية في «النتائج السياسية» لديناميات السلطة داخل البرلمان، بعدما جرت إماطة اللثام عن تشكيلة اللجان البرلمانية. ولا يمكن تبيّن موقع النواب من الحُكم ومن تحديد السياسات القادمة بشكل واضح قبل أن يبدأ البرلمان دورته، إلّا أن أغلب المتابعين يعتقدون أن الخارطة الحالية انبنت في أغلبها على تحالفات قديمة ستكون مؤقّتة، وأنه يمكن أن يعاد توزيعها في حال الانطلاق في العمل الفعلي للسلطة التشريعية.
بالنتيجة، لا يزال سعيد هو اللاعب الرئيس على كلّ المحاور، وهو وحده القادر على اتّخاذ القرارات وتحريك الأمور في أيّ اتجاه شاء؛ على أن ذلك يبقى رهنَ توفير مداخيل مالية للدولة، وإن كان الحلّ الوحيد المطروح مرتبطاً بقرض «صندوق النقد الدولي» الذي يرفضه الرئيس التونسي بشكل غير مباشر، فيما يتحدّث وزراؤه عن مضيّ الحكومة في التفاوض مع «الصندوق».