طوال المرحلة السابقة، حاولت المملكة إرساء نوع من التوازن بين الأطراف الفاعلة في حضرموت
الآن، وفي إطار النزاع المتصاعد، تدير الاستخبارات السعودية، بحسب ما يتّهمها به «الانتقالي»، حملة منظّمة ضدّ المجلس في وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، وأيضاً على الأرض، فيما يركّز الإعلام المموّل من الأخير على أن الجنوب يتعرّض لحرب شرسة وممنهجة، تقودها بعض «القوى الشمالية»، بدفع من الخارج، المقصود به بطبيعة الحال السعودية. كما يتّهم الرياض بأنها تُكيّف علاقاتها الخارجية بحسب منطق القوة والإمكانية؛ فعندما تشعر بضعفٍ مثلاً، تلجأ إلى عقد التحالفات والمعاهدات والاتفاقات بالاعتماد على «ديبلوماسية الشيكات» بدرجة رئيسة، منطلقةً في ذلك من همّها المتمثّل في الحفاظ على الاستقرار الأمني في المملكة، وخوفها من أيّ تأثيرات خارجية على الداخل السعودي. والظاهر أن هذا الشرخ المتنامي مثّل فرصة مناسبة للقوى الجنوبية المناهضة لـ«الانتقالي» لتوجيه السهام إليه، إذ ذكّر القيادي في «الحراك السلمي»، عبد الكريم السعدي، بـ«أنّنا انتقدنا في ما مضى الخطاب الانبطاحي لجماعة الانتقالي الإماراتية التكوين والولاء، تجاه المملكة العربية السعودية عندما كانت أبشع مفرداته تتلخّص في مقولة رئيسها: نحن بيد الملك سلمان يضرب بنا حيث يريد، براً وبحراً وجواً؛ لإدراكنا أن مثل هذه المفردات لا تصلح ولا تصحّ لبناء خطاب سياسي محترم وموضوعي ولا تصلح لبلوغ هدف وطني». وأضاف: «اليوم ندين وننتقد الخطاب العدائي التهجّمي الذي بلغ حدّ الفجور لهذه الجماعة ضد السعودية لنفس الأسباب».
والجدير بالذكر، هنا، أن التبدّل السعودي في التعامل مع الجنوب بدأ يظهر بوضوح أواخر عام 2021، عندما بدأت المملكة، بناءً على مراجعة شاملة لسياستها في تلك المحافظات، العمل على احتواء المكوّنات الجنوبية، وعلى رأسها «الانتقالي»، الذي أقرّ وقتها برنامجاً لإعادة تأهيله، بعدما اقتضت المصلحة السعودية عزل «الإصلاح». وقد نشط الإعلام السعودي، حينها، في الترويج لـ«الانتقالي»، وأجرى مقابلات مع العديد من شخصياته، وفي مقدِّمهم رئيسه، عيدروس الزبيدي، الذي بدا منسجماً بالكامل مع الأجندة السعودية، وأبدى استعداده ليكون جزءاً منها، واضعاً نفسه في تصرّف ما سمّاه «مشروع الدفاع عن الأمن القومي العربي»، في ما مثّل إشارة إلى جهوزية المجاميع المسلّحة المنضوية تحت لوائه، لبدء حربها في الشمال.