مقالات مرتبطة
تعذّر التسليم بالاستنزاف الأمني ومقاومة الضغوط الناتجة منه، قد يدفع العدو إلى تقديرات وخيارات خاطئة
من هنا، لا يجد العدو بدّاً من العودة إلى سياسة الاغتيالات التي تستهدف كوادر وقادة في فصائل المقاومة، إلى جانب عمليات الاستهداف التقليدية التي ينفّذها في الضفة، بعدما استنفد خياراته الدفاعية و«الإحباطية» هناك، حيث ينشر جنوده وقواته على الطرقات وحول القرى والمدن الفلسطينية بشكل دائم. كذلك، بدأ الاحتلال حملة اعتقالات واسعة في الضفة، في ما يُعدّ اجتراراً لسياسة متقادمة يرى أنها يمكن أن تحدّ من المسار التصاعدي للمقاومة على الأقلّ، علماً أن التجربة أثبتت أن هذا الخيار لم ينجح هو الآخر في توفير الأمن للمستوطنين والجنود. أمّا خيار الاغتيالات، والذي يراهن العدو على إسهامه في لجم العمليات وتحقيق الهدوء لفترة زمنية مُحدّدة، فإن التجربة تقول إنه لم ينجح في إيقاف المقاومة، وإنْ كانت له نتائجه المؤثّرة على أرض الواقع بنسبة أو بأخرى، فضلاً عن أن تفعيله في المرحلة الحالية ينطوي على مخاطر نشوب مواجهة عسكرية، كونه سيستدرج ردود فعل مباشرة ستضع قيادة العدو أمام تحدّي الردّ عليها أيضاً، مع التنبيه هنا إلى أيّ مواجهة عسكرية مع لبنان تحديداً ستختلف في حجمها ونتائجها عن نظيرتها مع غزة.
في كلّ الحالات، قد يتسبّب العدو، بلجوئه إلى هذا الخيار، بتوسيع نطاق المواجهة إلى الداخل الإسرائيلي عبر الردّ الصاروخي المتوقّع، فيما قد تعمد المقاومة إلى تنفيذ عمليات داخل أراضي الـ48، وهو ما يعني تفاقم حالة التوتّر الأمني، ووصولها إلى العمق الإسرائيلي بدلاً من محاصرتها. ولذلك، قد يلجأ العدو إلى عمليات أمنية، تحمل بصمة خفيفة، بهدف تجنّب سيناريو الردّ الذي يؤدي إلى تصعيد أمني، لكن هذه العمليات معرّضة بدورها للإفشال المسبق، وحتى نجاحها من غير المضمون أن يؤدّي إلى ردع المقاومة عن مواصلة ضرباتها. أمّا الحديث المتزايد عن مسؤولية إيران عن العمليات، فهو ينطلق، في جانب منه، من وقائع فعلية، بالنظر إلى الدعم الإيراني المستمرّ للمقاومة في فلسطين على الصعد كافة: المادي والعسكري والسياسي والإعلامي، ولكنه في هذه المرحلة تحديداً يستهدف التخفّف من الضغوط الداخلية، عبر تحميل «دول عظمى إقليمية» مسؤولية الهجمات، وبالتالي تبرير الفشل حيالها.
على رغم كلّ ما تَقدّم، فإن تعذّر التسليم بالاستنزاف الأمني ومقاومة الضغوط الناتجة منه، قد يدفع العدو إلى تقديرات وخيارات خاطئة، وهو ما يفرض على قادة فصائل المقاومة مزيداً من الحذر والإجراءات التي يمكن أن تنجح في سلب الاحتلال أهدافاً يأمل في أن يتمكّن من ضربها.