يتبنّى الدبيبة نظرية الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، عندما راح يسوّق لخرق وازن في العلاقة القائمة بين مصر وإسرائيل
ستشغل المنقوش منصب وزيرة الخارجية في الحكومة الانتقالية الجديدة برئاسة عبد الحميد الدبيبة، بعدما منحها البرلمان الليبي الثقة، في الـ10 من آذار من عام 2021. ولم تمضِ أشهر على شغْل الوزيرة منصبها، حتى راحت كوامن النفس تقذف بما تحتويه دواخلها. في البداية، أعلنت أن «حكومتها مصرّة على انسحاب القوات التركية من ليبيا». وفي أعقاب مؤتمر كان انعقد في باريس، في تشرين الأول من عام 2021، بهدف التحضير للانتخابات الرئاسية، سيُصدر «المجلس الرئاسي الليبي» قراراً بـ«إيقافها عن العمل» نتيجة «انفرادها بالسياسة الخارجية». والقرار الذي جاء على خلفية حديث أدلت به الوزيرة إلى قناة «بي بي سي»، وجاء فيه أن «الحكومة الليبية مستعدّة للتعاون مع واشنطن في ما يتعلّق بقرار ترحيل متّهم ليبي جديد في قضيّة لوكربي» إلى الولايات المتحدة، تضمّن أيضاً بنداً يقول بفتح تحقيق مع المنقوش بتهمة «عدم التنسيق مع الحكومة في قضايا السياسة الخارجية»، الأمر الذي «يُلحق ضرراً بسيادة ليبيا واستقرارها». شكّل ما تقدَّم، تمريناً أوليّاً يريد إثبات الكفاءة لنَيْل شهادات التقدير واحدة تلو أخرى.
ستُصدر «حكومة الوحدة» الليبية، يوم الأحد 27 آب، قراراً يقضي بإيقاف وزيرة الخارجية عن العمل، وإحالتها إلى التحقيق، على خلفية لقاء جمعها، أخيراً، إلى نظيرها الإسرائيلي، إيلي كوهين، في روما. والفعل، أي قرار حكومة الدبيبة، صِيغ على عجل ليلعب دور «الإسفنجة» التي تُستخدم عادة لامتصاص الماء وتجفيف الأسطح، ومثلها كانت «إسفنجة» الدبيبة التي استخدمت لامتصاص فوران الشارع الليبي الذي راح يبدي استعداداً للوصول إلى حالة قد يصعب التكهّن بمآلاتها، وخصوصاً إذا ما تأخر حضور «الإسفنجة». ومن الراجح، والحال هذه، أن يكون الدبيبة نفسه هو الذي «نصح» وزيرة خارجيته، التي يمّمت وجهها شطر إسطنبول كما ذكرت تقارير، بضرورة «الغياب» راهناً، بعدما تبيّن له أن «الإسفنجة» قد لا تكون قادرة على التعاطي مع كلّ «السوائل» التي انسكبت على السطح.
من الصعب تبرئة حكومة الدبيبة في ما يخصّ فعل الوزيرة وما أقدمت عليه؛ والشاهد هو أن وكالة «أسوشيتد برس» كانت نشرت، يوم 28 آب، تقريراً ذكرت فيه أن اجتماعاً جرى بين مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه)، ويليام بيرنز، والدبيبة، في كانون الثاني الماضي، إبّان الزيارة التي قام بها الأول إلى العاصمة الليبية. وفي ذلك اللقاء، يضيف التقرير، اقترح بيرنز على الدبيبة «مشاركة ليبيا مع الدول المطبّعة مع إسرائيل»، ليردّ رئيس الحكومة، وفقاً للمصدر عينه، قائلاً إنه «أعطى الموافقة الأولية على ذلك، لكنه قلق من ردّ فعل الجمهور». ومن الراجح إذاً، والحال هذه، أن رئيس الدبيبة أراد «جسّ نبض» الذين تحسّب لردّ فعلهم، عبر الدفع بوزيرة خارجيته للقيام بـ«خطوة عملية» تحسم الشكّ باليقين. ولربّما أَمكن الاستدلال أكثر على توجّه من هذا النوع، عبر ما نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤول إسرائيلي قال في أعقاب الافتضاح المقصود للقاء المنقوش - كوهين، إن «اللقاء استمرّ على مدى ساعتَين، وتمّ الاتفاق عليه مسبقاً على أعلى المستويات في ليبيا»، قبل أن يضيف أن «رئيس الوزراء الليبي يرى في إسرائيل جسراً محتملاً إلى الغرب والإدارة الأميركية».
من باب التحليل، يمكن القول إن الدبيبة كان يتبنّى نظرية الرئيس المصري الراحل، أنور السادات، عندما راح يسوّق لخرق وازن في العلاقة القائمة بين مصر وإسرائيل، وقال إن العقدة الأكبر التي تحول ما بين العرب والتقارب مع إسرائيل هي «نفسية»، وإن «كسر الحاجز النفسي يحتاج إلى شجاعة نادرة»، وهو من دون شكّ وجد نفسه ذلك الشجاع القادر على أداء المهمّة. ولربّما، من باب التخمين أيضاً، وجد الدبيبة ضالته في المنقوش التي بات لزاماً عليها إثبات كفاءتها لحمل جائزة «نساء الشجاعة» بعد مرور أكثر من عام على حمْلها.
ما تشير إليه «شجاعة» المنقوش وما آلت إليه ليبيا، أن النظام الليبي في واد، وشارعه، الذي وإنْ كان غارقاً في دوامة الخذلان وتحطُّم الآمال، في وادٍ آخر عندما يتعلّق الأمر بالقضيّة الفلسطينية التي لا تزال تغوص عميقاً في ذاته المجتمعية التي تستمدّ منها التيارات القومية والعروبية جذوتها؛ والأمر عينه ينطبق أيضاً على الدول التي لحقت بركب «اتفاقات أبراهام» عام 2020، وبلغت أربعاً حتى الآن. أمّا لماذا لم تهتز العلاقة بين أنظمة هذي الأخيرة وبين شعوبها، فذلك عائد إلى اعتبارات معقّدة يمكن حصْرها في حالة الاستقرار كما في حالتَي الإمارات والبحرين، وبحالة «الاحتياج» في ما يخصّ السودان والمغرب، لكن العلاقة ستهتزّ من دون شكّ عند أول مفترق طرق.