والواقع أن المواقف الإيرانية من عمليّة «طوفان الأقصى» والتطوّرات التي أعقبتها، مرّت في مرحلتَين: في الأولى، لوحظ نوع من الارتياح إزاء التطوّرات، وعلى وجه التحديد العمليّة التي نفّذتها حركة «حماس»، يوم السابع من تشرين الأول الجاري. وأعربت طهران عن ترحيبها بما حدث لجهة أنه يصبّ في خانة «تعزيز محور المقاومة»، و»إنزال ضربة غير مسبوقة بإسرائيل». وبالتزامن، سعت من خلال القول إنه لم يكن لها دور في هذه العمليّة، وإن الفلسطينيين هم الذين نفّذوها، للحدّ من زيادة التصعيد حتى لا يتمّ المساس بالإنجاز الأخير. ومثّلت التصريحات التي أدلى بها الخامنئي، والتي انطوت على تلك المواقف، أهمّ مؤشّر إلى سياسة المرحلة المشار إليها.
إذا تمكّنت فصائل المقاومة الفلسطينية من كسر أهداف إسرائيل، فإن مستوى تدخّل «حزب الله» في هذه الحرب سينخفض أيضاً
لكن، ومع تصاعد الغارات الجوية الإسرائيلية على غزة، وتزايد احتمال الهجوم البرّي الإسرائيلي على القطاع، بدأ يبرز القلق والتحذير والتهديد؛ إذ تتحسّب الجمهورية الإسلامية لوجود نيّة لدى العدو للدخول إلى غزة والسيطرة عليها، ما سيؤدّي، في حال تحقّقه، إلى فقدان «محور المقاومة» أحد أجزائه المهمّة والمؤثّرة، ويدفع بإسرائيل، المنتشية بذلك والحال هذه، إلى إلحاق المزيد من الضربات بـ»المحور». ولذا، انصبّ تركيز السلطات الإيرانية، خلال الأيام الأخيرة، على تحذير إسرائيل من تبعات الدخول إلى غزة، بما فيها احتمال تدخُّل «حزب الله» في الحرب، عسى أن يراجع العدو حساباته. ولكن بالنظر إلى أن دولة الاحتلال تحتاج إلى ما هو أكثر من العمليّات الجوية للتعويض عن فشلها الاستخباري والعسكري، فمن المشكوك فيه عدم إقدامها ولو على «مناورة برية». وتذهب الأوساط المطّلعة في إيران، إلى القول إن وزير الخارجية حمّل، خلال جولته الأخيرة، ممثّل الأمم المتحدة، رسالة إلى إسرائيل مفادها أن بلاده لا تريد المزيد من التصعيد، لكن إنْ واصلت إسرائيل عمليّاتها في غزة، فإن إيران ستكون مضطرّة إلى الدخول على الخطّ. في المقابل، وجّهت واشنطن رسالة إلى طهران، تدعوها فيها إلى عدم إقحام نفسها وحلفائها في حرب غزة، تحت طائلة مواجهة ردّ فعل «قوي» من الجانب الآخر.
ويبدو أن الجمهورية الإسلامية تضع نصب عينيها الآن مهمّتَين: الأولى، أن تسعى من خلال تحرّكاتها السياسية والديبلوماسية وإدلاء مسؤوليها بتصريحات عالية النبرة، لردع إسرائيل عن الحرب البرّية؛ والثانية؛ أن تضمن، في حال مضيّ تل أبيب في الهجوم البريّ، إبداء أفضل ردّ فعل على ذلك. لکن يَظهر، بحسب المعطيات، أن إيران ليس لديها نية للدخول في هذه الحرب بشكل مباشر، وإنّما ستواجهها، في حال اتّساع دائرتها، عبر مكونات أخرى من «محور المقاومة»، وتحديداً في لبنان أو في العراق وسوريا. ووفقاً لما يُستشفّ من الأحاديث الدائرة خلال الأیام الأخیرة، «سيزيد حزب الله، في حال تطوُّر الأمور، من مستوى التوتّر على الحدود مع إسرائيل»، فيما من المتوقّع أيضاً تنفيذ هجمات من الحدود السورية، وتدخّل جماعات المقاومة في العراق لمهاجمة القواعد الأميركية. ولكن ذلك كله يتوقّف على مستوى العمليّات البرية الإسرائيلية في غزة ومدى نجاحها. فإذا تمكّنت فصائل المقاومة الفلسطينية من كسْر أهداف إسرائيل، فإن مستوى تدخّل «حزب الله» في هذه الحرب سينخفض أيضاً، بحسب ما أكدت مصادر مطّلعة إیرانیة.