ويثير موقف «قسد» المريب حيال إسرائيل مزيداً من الاحتقان الشعبي في الأوساط العربية في الشرق السوري، بسبب الحساسية المفرطة بين أبناء القبائل تجاه العلاقات مع الكيان، الذي لا يزال يمثّل لأبناء القبائل السورية العدوّ الأبرز لأسباب تاريخية ودينية. وجاء هذا الموقف ليراكم مزيداً من الاحتقان في دير الزور على وجه التحديد، حيث يخوض أبناء العشائر معارك يومية مع مقاتلي «قسد» على خلفية محاولة الأخيرة الاستئثار بالمشهدَين الميداني والسياسي في المنطقة التي تُعدّ موطناً تاريخياً لأبناء العشائر.
يثير موقف «قسد» المريب حيال إسرائيل مزيداً من حالة الاحتقان الشعبي في الأوساط العربية في الشرق السوري
في هذا السياق، أعلن الشيخ إبراهيم الهفل، الذي يقود تمرّد العشائر ضدّ «قسد» فشل مفاوضات كان يجريها شقيقه الأكبر مصعب الهفل، الذي يعيش في قطر، على خلفية منعه من الدخول إلى سوريا عبر معبر سيمالكا الواصل بين مناطق «الإدارة الذاتية» في سوريا و«كردستان - العراق»، لإجراء لقاءات مع مسؤولين من «التحالف الدولي»، ضمن وساطة تؤدي الدوحة دوراً فيها. وذكر الهفل أن «قسد» حاولت إجبار شقيقه على إصدار بيان يعلن فيه دعمه لها، بالإضافة إلى إجراء ترتيبات للقاء يجمعه مع قائد «قسد»، مظلوم عبدي، بدلاً من اللقاء الذي كان مقرراً مع مسؤولين من «التحالف». وأضاف الهفل، في تسجيل صوتي نشرته وسائل إعلام تابعة للعشائر: «نحن قمنا بالثورة لأننا نعرف نياتهم الخبيثة في الاستمرار باحتلال ونهب ثرواتنا وتهميش المكون العربي، ونؤكد أن مقاومتنا العشائرية مستمرّة إلى حين طرد قوات قسد من مناطق شرق الفرات وجزيرة سوريا».
ويأتي فشل الوساطة القطرية بعد أيام من إعلان الهفل تشكيل غرفة عمليات موحّدة لقوات العشائر، تجمع 11 فصيلاً، وتحمل اسم «قوات العشائر العربية»، ولا تتبع لأيّ جهة أو حزب، وتهدف إلى «تحرير» دير الزور من «قسد»، وتنفيذ عمليات «كرّ وفرّ» نوعية ضدّها، وتأكيده أن قواته لن ترحم أيّ موقع عسكري يتبع لـ«قسد» في المنطقة. وترافق هذا الإعلان مع أنباء عن تحضيرات لشنّ هجمات «كبيرة ومنسّقة وغير مسبوقة»، إذ تٌجري أجهزة «استخبارات» استحدثتها العشائر التحضيرات اللازمة للهجمات، عن طريق جمع معلومات دقيقة وتحديد بنك أهداف لهذه العمليات، وفق ما ذكرت منصّات عديدة ناطقة باسم فصائل العشائر على مواقع التواصل الاجتماعي. وبالتوازي، تشهد مناطق الريف الشرقي لدير الزور اضطرابات متزايدة، بالرغم من قرار حظر التجول الذي تفرضه «قسد» على عدد كبير من قراه، وسط مخاوف من التحوّل الذي بدأ يطرأ على طبيعة المعارك في المنطقة، من مواجهات مباشرة تملك فيها «قسد» اليد الطولى في ظلّ الدعم الأميركي الكبير لها، إلى حرب عصابات تستنزفها.
على خطّ موازٍ، تتابع فصائل المقاومة عملياتها اليومية ضدّ القواعد الأميركية غير الشرعية، ضمن استهدافات تتصاعد وتيرتها بشكل مستمر على خلفية الدعم الأميركي غير المحدود لحرب الإبادة الإسرائيلية على الفلسطينيين في غزة، حيث أعلن مسؤول أميركي أن القواعد الأميركية في سوريا تعرّضت لهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة أربع مرات على الأقلّ خلال 24 ساعة، بالرغم من الضربات التي نفذتها طائرات أميركية ضدّ مواقع قال «البنتاغون» إنها تابعة لفصائل مرتبطة بإيران في منطقتَي الميادين والبوكمال في دير الزور. وأخيراً، تداولت حسابات مرتبطة بفصائل المقاومة صوراً لصواريخ ثقيلة استُعملت للمرّة الأولى في عمليات استهداف القواعد الأميركية في سوريا - ومن بينها تلك التي طاولت قاعدة حقل «كونيكو» للغاز، إحدى أبرز القواعد التي تدير منها واشنطن عملياتها في هذا البلد -، وسط تأكيدات حول وقوع قتلى وجرحى في صفوف القوات الأميركية التي لا تفصح عادة عن خسائرها الحقيقية من جرّاء هذه الهجمات.