محورا تقدّم
معروف بالنسبة إلى المهتمّين بشؤون المقاومة في قطاع غزة، أن ثمّة محورَي قتال تقليديَّين: الأول، هو الشريط الحدودي الشرقي للقطاع، الذي يفصل بين أراضي قطاع غزة والأراضي المحتلة عام 1948، والذي تمّت من خلاله عملية العبور الكبير في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. وقد ظلّ هذا المحور، طوال الـ 15 عاماً الماضية، هو خطّ القتال وميدان العمل الميداني الأول، ومنه توغّلت الدبابات الإسرائيلية إلى أراضي غزة في حرب 2008/ 2009، ومنه أيضاً نفّذت هجومها البرّي الواسع الذي استمرّ 18 يوماً في حرب عام 2014. ومنه كذلك، أجرت مناورة الخديعة في معركة «سيف القدس» عام 2021. وفي المقابل، في المحور نفسه، تمكّنت المقاومة من قتل 72 جندياً في حرب 2014. واليوم، حظيَ الشريط الحدودي الشرقي، كما كان متوقّعاً، بتطوير كبير في تكتيكات الخطوط الدفاعية، ونوعية المقاتلين الذين خبروا كلّ الافتراضات التي يمكن أن تمارسها «فرقة غزة» للتوغّل. لذلك، استثنى العدو المحور المذكور بكامله من عملية التوغّل البري الجارية، فيما لا تعدو عمليات الاختراق المتعثّرة في شرق حيّ الزيتون وشمال مدينة بيت حانون، كونها محاولات لإشغال أكبر عدد ممكن من المقاومين، ومنعهم من الالتحاق بميدان القتال الرئيسيّ في القاطع الغربي من شمال مدينة غزة.
أخذت «القسّام» وقتها في إعداد خطط وتكتيكات، سيتصاعد تأثيرها في الأيام المقبلة
أمّا المحور الثاني، فهو الغربي، تلك الخاصرة التي ظلّت طوال السنوات الماضية ميدان اختراق رخواً، ولم يسبق للمقاومة أن خاضت تجربة التصدّي فيها للقوات المتوغّلة من حدود غزة البحرية. هناك، حيث المساحات المنبسطة الخالية التي تمتدّ إلى 3 كيلومترات من أقصى شمال القطاع، وتضيق كلّما اتّجهنا جنوباً إلى مدينة غزة، ثمّة مساحات معتمة تماماً ليلاً، في ظلّ تدمير الطائرات الحربية خلال أكثر من 23 يوماً من التمهيد الجوي، أحياءً بكاملها. ويمكن القول إن «كتائب القسام» طبّقت، لأول مرة، خطة دفاعية دُرست بشكل نظري طويلاً، في محور لم يجرّب العمل فيه خلال الـ 15 عاماً الماضية. وربّما هذا ما كان سبب الاختراق في عمق أحياء بقيت خارج الحسابات الميدانية، من مثل العيون والشيخ رضوان والنصر والرمال والسرايا ومحور الشفاء، على الرغم من الجهد الميداني الذي وثّقته كاميرا المقاومة هناك، والذي تسبّب بتدمير وتعطيل عشرات الدبابات. لكن ما يَظهر خلال اليومين الماضيين، هو أن «القسام» أخذت وقتها في إعداد خطط وتكتيكات، سيتصاعد تأثيرها في الأيام المقبلة، بعد التصالح مع معطيات الميدان في جغرافيا القتال الجديدة.
الرشقات الصاروخية مجدداً
بعد أيام من غياب الزخم الصاروخي، حفلت ساعات مساء أول من أمس، بعودة الرشقات الصاروخية الكثيفة مجدّداً. إذ أظهرت مقاطع الفيديو، الآلاف من الصامدين في شمال قطاع غزة، وهم يرفقون الرمايات الصاروخية الكثيفة بالتهليل والتكبير. وانطلقت الرشقة الصاروخية الكبيرة، التي دوّت خلالها صافرات الإنذار في مدن: تل أبيب، وسيديروت، وعسقلان، ونتيفوت، بعد ساعات من تصريح حاول فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، صناعة صورة انتصار جزئية، عندما أوعز إلى المصانع في مستوطنات «غلاف غزة» بالعودة إلى الروتين التقليدي، وبدء العمل منذ صباح اليوم التالي، نظراً إلى أن العملية البرية، باعتقاده، استطاعت أن تحقّق منجزاً ملموساً، تمثّل في انخفاض كبير في الرمايات الصاروخية. وبناءً على ذلك، أطلقت المقاومة الرشقة الكبيرة، لتعيد المشهد في الجبهة الداخلية الإسرائيلية إلى المربّع الأول، وأيضاً، لتشكّل رافعة معنوية لحاضنة المقاومة في القطاع. ويوم أمس، أعادت المقاومة توجيه رشقة صاروخية مماثلة، وصلت الى تل أبيب وعسقلان، حيث أحدثت أضراراً واسعة، وأوقعت إصابات أكيدة.