ومئير هذا «ليس الوحيد الذي يغرق في الوحل لمجرّد أنه ترك كلّ شيء ليتفرّغ للقتال»؛ إذ تنقل الصحيفة عن زميله أفيخاي الذي يقاتل أيضاً في غزة، قوله إنه «بالإضافة إلى العبء الاقتصادي الذي أتحمّله كأب مُطلّق مسؤول عن أربعة أطفال، فإن صاحب الشقة لا يرحم؛ حيث يطالبني كل الوقت بتسديد مستحقّات الإيجار، فهو لديه أيضاً فواتير عليه تسديدها». وأضاف: «أنهار تحت كل هذا العبء، وأنا بالكاد أرى أطفالي، على الرغم من أن عليّ الاهتمام بهم وفق قانون المحكمة (الذي أقرّ بأن الأولاد في حضانته بعد الطلاق)». ووفق جندي آخر تحدّث إلى الصحيفة، فإنّ «الأخوّة والالتزام تجاه رفاق السلاح، وتجاه الواجب الوطني، ليسا كل شيء. إنّني أفكّر حقاً بترك كل شيء ورائي والانسحاب، فقد نفدت جميع الأموال التي لديّ».
بدأ جنود الاحتياط في الجيش الإسرائيلي يلوّحون بالأعلام الحمراء
وفي الإطار نفسه، ذكّرت الصحيفة بأنه مع بداية الحرب، أعلن الجيش الإسرائيلي أنه تم استدعاء أكثر من 300 ألف مجنّد ومجنّدة إلى الحرب ضمن منظومة الاحتياط، ولكن «فعليّاً كان العدد أقلّ من ذلك، ففي الشهر الماضي سُرّح الكثير من هؤلاء. ومع ذلك، هناك الكثير من الآباء وأصحاب المصالح التجارية الذين ما زال عليهم ترك كل شيء خلفهم للتجنّد للقتال في الشمال والجنوب والضفة الغربية»، مشيرةً إلى أن «الدافعية والحافزية للقتال في البداية كانت عالية لمواجهة الكارثة التي تسبّب بها هجوم السابع من أكتوبر، وذلك على الرغم من النقص الحادّ في المعدّات القتالية، فضلاً عن أوجه القصور العديدة (في اللباس، ووسائل الحماية، ومعدات النظافة الشخصية... وغيرها)، وهي فجوات ردمتها المبادرات المدنية والاجتماعية وبفضلها تمكّن الجنود من تجاوز تقصير الدولة». ومع أنهم «تجاوزوا تلك المرحلة، إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب يخيّم على المشهد، ونقطة الانهيار لم تَعُد بعيدة». وتلفت الصحيفة إلى أن «معاناة الجنود الذين لديهم مصالح خاصّة ومستقلّة، أسوأ من غيرهم بكثير، بسبب تركيبة شركاتهم، وهيكليّتها الإدارية التي تتطلّب منهم الحضور شخصياً لأداء العمل، فيما البنوك لا ترى مشكلتهم، والحكومة لا تفهم بعد حجم الحدث الاقتصادي»، كما أن شعبة القوى البشرية في الجيش، وإدارة شؤون الموظّفين «لا تقدّم إجابات فعلية». ونتيجة كل ذلك، وفق الصحيفة، «واضحة»: «المزيد والمزيد من جنود الاحتياط باتوا يتساءلون ما إنْ كان الأمر فعلياً يستحقّ دفع الثمن والمخاطرة بحياتهم، فيما هم يفقدون فعلياً سبل عيشهم، وأعمالهم، وكرامتهم».
ويرى المحلّل السياسي للصحيفة، يوسي يهوشواع، أن «هذه التساؤلات موجّهة أولاً وأساساً إلى المستوى القيادي، وفي مقدّمته، رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ورئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي. ففي دولة تضع جنودها في المقدّمة، كان على نتنياهو أن يعقد اجتماعاً طارئاً لمناقشة المشكلة وتقديم حلول لها (ولكنه لم يفعل ذلك)؛ إذ رأى أنه "هذه هي الحياة" (هكذا تسير الأمور)». ويلفت إلى أن البنوك كثّفت نشاطها لدعم مستوطني النقب الغربي في مناطق «غلاف غزة» التي تضرّرت بشكل كبير، حيث حوّلت لهم حوالى نصف مليار شيكل، فيما لم تخصّص سوى 10 ملايين شيكل لجنود الاحتياط، على شكل قروض من دون فوائد. ويقول يهوشواع إن نهاية الحرب لا تلوح في الأفق فيما لا يزال الضباب يغطّي على اليوم التالي للحرب، وفي موازاة ذلك يتحدّث القادة عن أن جنود الاحتياط سيقاتلون لأشهر طويلة، لكن الجنود «بدؤوا بالتلويح بالعلم الأحمر»، مشيرين إلى أنهم «مستعدّون لمواصلة الحرب بشرط أن يقدّروا جهودهم». ويخلص إلى أن «هذا إنذار حقيقي، ومَن يتجاهله سيضطرّ لخوض حرب شتوية قاسية، مع جنود احتياط متعبين ومكسورين وعصبيين للغاية».