- إنهاء المرحلة الثانية من العملية البرية، والانتقال - مع أو من دون تحقيق أهداف هذه المرحلة - إلى الثالثة الأقلّ كثافة قتالية، وهو ما تحقَّق في شمال القطاع مع إنهاء الانسحاب من معظم المناطق التي جرت السيطرة عليها، فيما يُتوقّع أن تبدأ الانسحابات في وسط القطاع خلال الأيام القليلة المقبلة. كذلك، فإن التطلّع إلى «تسوية ما» في منطقة رفح، والمناطق المتاخمة للحدود مع مصر، سيعني فصل القطاع عن الجانب المصري فصلاً تاماً، لا يمكّن الفلسطينيين من نقل أيّ سلعة أو مادة إلا عبر المعابر المسيطر عليها إسرائيليّاً، بشكل مباشر أو غير مباشر، بواسطة القوات المصرية الوكيلة.
- انسحاب القوات الإسرائيلية إلى الحدود، مع الاحتفاظ بحزام أمني بعمق كيلومترَين يكون خالياً من الوجود الفلسطيني، وهو ما يفسّر عمليات الهدم والتجريف وتسوية بعض المناطق المتاخمة للحزام بالأرض، بدءاً من الشمال ووصولاً إلى الجنوب، بما يشمل مناطق من الشجاعية، وكذلك في وسطها، وتحديداً منطقة خزاعة التي يعمل الاحتلال على جرفها بالكامل، فيما لا يزال التجاذب قائماً تجاه أقصى جنوب القطاع، حيث على إسرائيل الأخذ في الاعتبار مصلحة النظام المصري وبالتبعية الأميركي.
لا يتطلّع نتنياهو إلى استمرار الحرب بما لا يقوى عليه جيشه، بل إلى حرب استنزاف تبقيه وائتلافه في السلطة
- فصل شمال القطاع عن جنوبه في وادي غزة، في المنتصف تماماً، سواء عبر النيران عن بعد، و/ أو عبر السيطرة المباشرة على أكثر من نقطة تحكّم وسيطرة يجري الاحتفاظ بها مبدئياً، مع العمل على منع المدنيين الفلسطينيين من العودة إلى شمال القطاع، بما يشكّل رافعة ضغط لدفع «حماس» إلى تقديم تنازلات في ملفّ الأسرى، وكذلك محاولة تأليب الفلسطينيين على الحركة.
- إقناع مستوطني «غلاف غزة» بالعودة، تحت إغواء إبعاد «حماس» عن الحدود وإنشاء «الحزام الأمني». وإذا تحقَّق ذلك، سيُعدّ أهمّ ما في هذه الاستراتيجية من أهداف، كونه سيمكّن نتنياهو من مواصلة الحرب بلا قتال، مع البقاء السياسي أطول مدّة ممكنة، بلا ضغوط مباشرة من المستوطنين، وسيسلب «حماس» ورقة ضغط كبيرة جداً، وفقاً للمنظور العام الإسرائيلي.
تحقيق ما تقدَّم، من شأنه السماح بمواصلة الحرب بوتيرة منخفضة، وهو ما يمكّن الجيش الإسرائيلي من تسريح جزء كبير جدّاً من الاحتياط، وإزالة أحد عناصر الضغط عن اقتصاد الكيان. وهكذا، يأمل نتنياهو، من وراء استراتيجيته، بمعية كبار مسؤولي جيشه، في أن يؤدي هذا الإجراء، وغيره، إلى تقليص الضغط الداخلي عليه، وكذلك الدولي، وتحديداً الأميركي، حيث تصرّ واشنطن على «تنازلات» منه، تُعدّ انتحاراً سياسيّاً له ولائتلافه. ووفقاً للتصوّر المشار إليه، لا يعود مهمّاً اليوم الذي يلي في غزة، من ناحية الترتيبات السياسية والأمنية التي يطالب بها مَن ليسوا في الحكومة الإسرائيلية؛ إذ يسعى الائتلاف إلى إبقاء غزة ميدان لاجئين، تُدار عبر الوكالات الإغاثية، في رهان على «ترانسفير» تلقائي، نتيجة المعاناة المتفاقمة، إلى خارج القطاع.
لكن هكذا استراتيجية لا تعيد الأسرى الإسرائيليين، إلا قتلى وبالمفرّق، وهو ما يمنع نتنياهو وائتلافه من بلورة رواية انتصار يُبنى عليها التراجع الذي يعمل عليه. في المقابل، يتفشّى اليأس من القتال ومن إمكانية تحقيق أهدافه لدى الجمهور الإسرائيلي الذي خفّض سقف توقعاته العالية جداً، وأيضاً لدى النخبة الإسرائيلية التي تبني مواقفها استناداً إلى مصالح «الدولة»، حيث بات الإدراك شبه جامع: استمرار الحرب لا يلغي تداعيات فشلها، بل إن استمرارها يقضم ما تحقّق عبرها من إنجازات تكتيكية، كان بالإمكان الاكتفاء بها والبحث عن ما هو أقلّ سوءاً من المخارج السياسية. وينسحب ذلك أيضاً على المعارضين لنتنياهو، من القوس السياسي الواقع خارج الائتلاف، بل والجهات التي شاركته ائتلافه، كما هو حال بيني غانتس وغادي آيزنكوت، اللذين باتا يتطلّعان إلى بدائل لإنهاء حكم نتنياهو، بما يتلاقى مع الرغبة، وأيضاً «التخطيط» الأميركي لإسقاطه وحكومته، كسبيل بات شبه وحيد، للخروج من الحرب بأقلّ الخسائر الممكنة.