وأثار قرار البرغوثي، وقتذاك، غضب عباس وقيادة الحركة، التي دفعت بوزير الشؤون المدنية، حسين الشيخ، لزيارته في السجن لثنيه عن قراره، ولكنه فشل في ذلك. وعلى خلفية ما جرى، قرّرت «فتح» فصل ناصر القدوة من صفوفها، ولكنها لم تجرؤ على اتّخاذ الموقف ذاته ضد البرغوثي لإدراكها تبعاته، فضلاً عن أن مراقبين رأوا أن مشاركة الأخير ضمن قائمة تضمّ قيادات «فتحاوية» قد تلحق هزيمة بالقائمة المدعومة من الرئيس و«اللجنة المركزية»، وهو ما يُعتبر من الأسباب التي دفعت عباس إلى إلغاء الانتخابات. وتعيش حركة «فتح»، منذ خسارتها في انتخابات عام 2006، انقسامات داخلية عميقة، اتّسعت مع فصل شريحة كبيرة من قيادات الحركة وعناصرها ممَّن وصفوا بـ«المتجنحين» والمحسوبين على القيادي المفصول من «فتح»، محمد دحلان، وأيضاً ممَّن ينتقدون السلطة. ولذا، يُعتقد أن البرغوثي قادر على «إحداث نوع من التغيير»، سواء في شأن جَسْر الانقسامات الداخلية في الحركة، أو إحداث مصالحة وطنية مع الفصائل والقوى الفلسطينية، وإصلاح المؤسسات، سواء «منظمة التحرير» أو السلطة الفلسطينية.
أعلن بن غفير، منتصف شباط الجاري، نقل الأسير البرغوثي من سجن «عوفر» العسكري إلى العزل الانفرادي في سجن آخر
من جهتها، ربما تجد الولايات المتحدة والدول الغربية في الإفراج عن الرجل ضرورةً سياسيّةً لمرحلة ما بعد الحرب، أخذاً في الحسبان ادعاءها السعي إلى إحياء مسار سياسي. غير أن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية التي ترفض أي مسار من هذا النوع، بل تعارض حتى لعب السلطة أيّ دور في قطاع غزة بعد الحرب، قد ترفض الإفراج عن البرغوثي، رغم أنّ بعض قادة الاحتلال السابقين يروّجون لكون الأخير الوحيد القادر على قيادة ما يسمونها «دولة فلسطينية قوية، يمكنها أن توفّر الأمن لإسرائيل»، وفقاً لعامي آيالون، الرئيس السابق لجهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك). وطالب آيالون، في تصريحات أخيراً، بالإفراج عن البرغوثي، قائلاً إن «قيام دولة فلسطينية ليس فقط مصلحة إسرائيلية يجب الموافقة عليها، بل يجب الإفراج عن البرغوثي ليقود محادثات إقامة الدولة ويتولّى رئاستها أيضاً». وأضاف: «مروان هو الزعيم الفلسطيني الوحيد الذي يمكن انتخابه، ليقود سلطة فلسطينية شرعية تجاه طريق الانفصال عن إسرائيل بالتراضي».
وبرز اسم مروان البرغوثي في الانتفاضة الأولى عام 1987، وتحديداً في تشكيل «القيادة الموحدة»، وسرعان ما أصبح مطارداً من قوات الاحتلال الإسرائيلي، حتى اعتُقل وأُبعد إلى الأردن بقرار من وزير الأمن الإسرائيلي في حينه، إسحاق رابين. وقد عاد إلى الضفة الغربية في نيسان 1994 عقب توقيع «اتفاقية أوسلو»، وتولّى منصب أمين سر حركة «فتح» في الضفة الغربية، وتم انتخابه عضواً في المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرة رام الله عام 1996 وعام 2006، وكان الأصغر سناً بين النواب، كما كان من أبرز الوجوه في الانتفاضة الثانية، إذ قاد كتائب «شهداء الأقصى» وحرّض على قتال إسرائيل، ونجا من عدّة محاولات اغتيال فاشلة، أبرزها قصف موكبه أمام مكتبه في رام الله عام 2001، ما أسفر عن استشهاد مرافقه مهند أبو حلاوة.
ومع استمرار العدوان على قطاع غزة، وازدياد التحذيرات الأمنية من مغبّة انفجار الأوضاع في الضفة، وتحديداً خلال المدة المقبلة، وبروز اسم مروان البرغوثي على رأس الأسماء المنوي الإفراج عنها والتي تطالب بها المقاومة، أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، منتصف شباط الجاري، نقل الأسير البرغوثي من سجن «عوفر» العسكري إلى العزل الانفرادي في سجن آخر، بدعوى وجود معلومات عن انتفاضة مخطّط لها من قبله في الضفة.