ما يجري هو أول ترجمة عملية لتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط كنتيجة مباشرة لعملية «طوفان الأقصى»
ما يحصل شكّل بالفعل ضربة للنظام الأردني، الذي بدا هزيلاً ومأزوماً في سعيه إلى حمايةِ مفارقةٍ من نوع أنه في حين تطْبق إسرائيل حصارها على قطاع غزة وتمنع عنه الهواء، يزوّد الأردن دولة الاحتلال بالفواكه والخضار الطازجة تعويضاً عما خسرته من مزارع «غلاف غزة»، ثم لا يتوانى الملك عن التذرّع بأن من يقوم بذلك هم تجّار أردنيون، ملمحاً إلى أن ثمة فائدة اقتصادية للأردنيين من تلك التجارة. وهو منطق أعلن المتظاهرون سلفاً رفضهم له، باعتباره إهانة، تماماً مثلما رفض الغزّيون مشاركة الملك في مهزلة إلقاء المساعدات من الجو، والتي قتلت من الفلسطينيين أكثر مما أحيت. كما أن أحد مصادر السخط الشعبي على النظام هو أنه يبيع موقفه بثمن بخس، في وقت يعاني فيه البلد أزمة اقتصادية دائمة ومستحكمة، ذات وجهين: الأول هو قلة الموارد وعدم التعويض بشكل كافٍ ممّن يستفيدون من سياسة الملك، والثاني هو الفساد الحكومي؛ وفي الحالين توجّه الأصابع إلى النظام.
وإذا كان من غير المتوقع أن تصل التظاهرات الحالية إلى إسقاط النظام الأردني، فإن المقاومة في فلسطين وأنصارها الكثر في الأردن، يمكنهم تحقيق مكاسب. ويعرف قادة «حماس» نقطة الضعف الأردنية، ولذلك خصّوا الأردنيين منذ عملية «طوفان الأقصى» بالذكر في دعواتهم للنزول إلى الشارع، من محمد ضيف إلى خالد مشعل. كما يعتقد هؤلاء وغيرهم من قادة الفصائل الفلسطينية، بما صار لهم من مصداقية، أن الظرف مؤاتٍ لتعديل الموقع السياسي للأردن عبر ضغط الشارع، سواء أسَقط النظام أم لم يسقط، الأمر الذي سيمثّل في حال حصوله أول ترجمة عملية لتراجع النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، كنتيجة مباشرة لعملية «طوفان الأقصى».
وبما أن الأردن هو البوابة الفعلية لفلسطين إلى العمق العربي، سواء في اتجاه العراق أو السعودية ودول الخليج، وصولاً إلى اليمن، فإن ما يحصل فيه له تأثير كبير خاصة على دول الخليج، وبتحديد أكبر السعودية. ما يجري اليوم، يعيد دول الخليج إلى زمن مماثل للتهديد الذي مثل أمامها في «الربيع العربي». ولذا، لن يكون مستغرباً أن تعمل الدول المذكورة على محاولة تعويم النظام الأردني عبر مساعدات سخية كتلك التي قُدّمت للنظام المصري بعد سقوط حكم «الإخوان المسلمين»، لكن هذه المرة لمنع تزايد نفوذ «حماس» في الأردن، باعتبار أن الحركة المقاوِمة، بما كسبته من شعبية وشرعية في قتالها الاحتلال في قطاع غزة، تمثل تهديداً أكبر لأنظمة الخليج، من ذلك الذي مثّله «الإخوان» وقتذاك.