سجل آخر اتصال بين الدوحة ودمشق في يوم عيد الأضحى الماضي. حينها هاتف أمير قطر الشيخ حمد آل ثاني، بمبادرة منه، الرئيس السوري بشار الأسد لتهنئته بالعيد. وكان حمد يريد لهذه المكالمة أن تفتح الباب السوري لقطر للعب دور الوسيط بين المعارضة والنظام، لكن الأمير القطري فوجئ بأن الأسد لم يسمح له خلال المحادثة الهاتفية بينهما بأن يخرج سياق كلامهما عن مناسبة التهنئة بالعيد، وتبادل الاطمئنان عن العائلتين اللتين كان بينهما لغاية الأمس القريب علاقة صداقة وثيقة.
صديق مشترك بين الأمير حمد والرئيس الأسد، وهو أيضاً رئيس عربي، نقل حينها شكوى الأمير حمد من أن الرئيس السوري تجنب أي حديث معه عن الوضع في بلده خلال المحادثة الهاتفية، وظهر الرئيس الأسد عبر تصرفه هذا كأنه يريد القول لأمير قطر: لست بحاجة إلى مبادرة منك، بل إلى اعتذار.
رسالة قطرية
قبل أيام عدة، تجددت، بعيداً عن الأضواء، المحاولة القطرية لطرق الباب السوري، ومعاودة شيء من العلاقة بين البلدين. ويكشف مصدر مطلع لـ«الأخبار» أنه، قبل أيام، وصلت فجأة الى مطار دمشق شخصية عربية وطلبت موعداً عاجلاً من القيادة السورية لعرض رسالة عليها من الدوحة، تحمل عنوان «مبادرة قطرية لحل الأزمة السورية الداخلية».
تتألف المبادرة القطرية، كما نصت عليها الرسالة، من نقاط عدة: أولاً: مصالحة بين البلدين، وطيّ صفحة الأزمة بينهما، وفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعاون تقوم في إطارها الدوحة بقيادة مسعى ومبادرة لحل الأزمة الداخلية السورية. ثانياً: تقترح المبادرة القطرية خريطة حل مكونة من بنود عدة، أبرزها الإتيان برئيس حكومة في سوريا سنّي من الإخوان المسلمين، وأن تقوم قطر بدعوة المعارضة السورية الى عقد مؤتمر لها في الدوحة، وتتعهد قطر بأنه خلال هذا المؤتمر تمارس ضغطاً على المعارضة السورية للقبول بالحوار مع النظام السوري.
تعرض المبادرة بنوداً أخرى تقترح أن تؤمن للمعارضة بعض الضمانات من النظام داخل سوريا، ما يساعد الأخيرة على الانتقال من مناخ القتال مع النظام الى مناخ الحوار والتفاعل الإيجابي.
من جهتها، حملت دمشق الوسيط العربي، حامل الرسالة القطرية، إجابة مختصرة على مبادرة الدوحة الآنفة، تتألف من كلمة واحدة: مرفوضة. وتقول مصادر سورية إن موقف دمشق من قطر لا يتطلع الى قيامها بدور الوسيط لحل الأزمة السورية، بل الى إعلان صريح من قبلها بأنها تراجعت عن سياسة تسليح المعارضة والتواطؤ مع الأجندة الأجنبية لضرب استقرار سوريا. وخارج هذه العناوين، فليس لدى دمشق وقت لسماع أي كلام قطري آخر.
«طائف سوري»
وتضيف هذه المصادر: من الواضح أن الدوحة تجسّ، نيابة عن دول أخرى، نبض دمشق عبر هذه الرسالة، لمعرفة ما إذا كانت تقبل بعقد «طائف سوري» للمصالحة الوطنية، على غرار الطائف اللبناني الذي عقد في السعودية في مطلع تسعينيات القرن الماضي لوقف الحرب الأهلية اللبنانية. وتلفت هذه المصادر الى أن مثل هذا المشروع كان قد عرض على سوريا، بصورة تفصيلية، من قبل دول عربية وإقليمية وأيضاً غربية، منذ أشهر عدة، وذلك بواسطة موسكو، ورفضته حينها دمشق. ونص الاقتراح، آنذاك، على دعوة النظام السوري إلى الموافقة على الذهاب الى مؤتمر «طائف سوري» يعقد في أي دولة يريدها النظام السوري، على أن يخرج المؤتمر بالنتائج الآتية: «إقرار نظام سياسي جديد يلحظ توزيع السلطة على أساس طائفي، بحيث يكون رئيس الحكومة مسلماً من الطائفة السنية، ورئيس مجلس النواب من الأكراد أو المسيحيين، ورئيس الجمهورية من المسلمين العلويين». وبحسب المصادر عينها، فإن هذا الاقتراح المرفوض من دمشق عاد ليمدّ برأسه من جديد، لاختبار حظوظه من التحقق، وذلك من خلال المبادرة القطرية التي عرضت على دمشق قبل عدة أيام. وأضافت إن هناك أسباباً أخرى تدفع قطر في هذه اللحظة الى محاولة فتح باب إعادة تطبيع علاقتها مع سوريا، أبرزها تأكد قطر من أن حظوظ سقوط النظام السوري عبر تدخل أجنبي أو إقليمي عسكري أو إنساني أصبحت صفراً، بل أقل من الصفر، فتركيا تملّصت من إلحاح دول الخليج عليها لإقامة منطقة آمنة في سوريا، وذلك عبر ربط قيامها بهذه الخطوة بتوفر غطاء دولي وعربي وإسلامي علني، وفي المجال الإسلامي تريد تركيا أن تصدر منظمة المؤتمر الإسلامي إعلاناً يطلب من تركيا التدخل وإنشاء المنطقة الآمنة في سوريا.
وتؤكد المصادر السورية أن الولايات المتحدة الأميركية لم تعد معنية باستمرار الفوضى في سوريا على نحو واسع، وأصبحت ترى أن إسقاط النظام سيقود الى إنشاء جبهة سلفية إسلامية جديدة في سوريا. ويقول مصدر سوري مطلع إن ما يحصل في شبه جزيرة سيناء من تعاظم لنشاط السلفية الأصولية المسلحة هناك بدأ يقضّ فعلياً مضجع إدارة الرئيس باراك أوباما، وبخاصة قيادة الجيش الأميركي في المنطقة الوسطى، ويكشف أنه خلال منتصف الاسبوع الماضي جرت في منطقة سيناء محاولة لخطف جنود إسرائيليين من قبل مجموعة أصولية تتحرك في تلك المنطقة، إلا أنها فشلت، وظلت هذه المحاولة طيّ الكتمان ولم يتم الإعلان عنها.
وتكشف هذه المصادر لـ«الأخبار» أنه خلال الأيام القليلة المقبلة، سيعرض التلفزيون السوري مقابلات لعشرات الأصوليين الأجانب الذين ألقي القبض عليهم وهم يقاتلون الى جانب المعارضة المسلحة في سوريا، وبين هؤلاء ليبيون ويمنيون وكويتيون ومصريون، ومن مختلف الجنسيات الآسيوية، وسيتم عرض هؤلاء الأصوليين على دفعات.
ويختم المصدر السوري المطلع بالقول إن دور استعمال بعض الدول للمجموعات الأصولية غير السورية في الحراك السوري انفضح، كما أن العجز عن إسقاط النظام أصبح واضحاً لدى أصحاب هذه الأجندة. وعليه، فإن المؤامرة ـــ كما يقول المصدر ـــ بدأت بالانحسار، وبدأ التفاف الدول حولها يخفت ويتبدد.
أردوغان: المعارضة السورية تقترب من النصر
قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان (الصورة) للاجئين سوريين، أول من أمس، إن المعارضة السورية باتت قريبة من تحقيق النصر وإن الرئيس بشار الأسد «ينزف» مع مرور الأيام. وفي مخيم كيليس للاجئين، استُقبل أردوغان بهتافات وتصفيق منقطع النظير. وقال أردوغان لحشد يضم نحو 1500 شخص، على بعد أقل من كيلومتر من الحدود مع سوريا، «بشار (الأسد) ينزف كل يوم. نصركم ليس بعيداً. لدينا قضية واحدة: وقف إراقة الدماء والدموع وتحقيق مطالب الشعب السوري». ويقيم نحو 9000 سوري فرّوا من أعمال العنف في بلادهم في مخيّم كيليس. وقال أردوغان إن تركيا توفر المأوى لأكثر من 23 ألف لاجئ سوري. وقبيل زيارته الى مخيم اللاجئين السوريين، أعلن أردوغان أن بلاده ستبقي حدودها مفتوحة أمام السوريين الذين يفرون من قمع النظام في بلادهم، وذلك قبل ساعات من زيارته مخيماً للاجئين السوريين. وقال أردوغان، في اجتماع لحزبه في غازي عنتاب على مقربة من الحدود السورية، «بإذن الله، سيبدأ عصر جديد في سوريا (...) عاجلاً أو آجلاً». وأضاف في خطاب متلفز «ما دامت إرادة الشعب غير محترمة في سوريا، فسنواصل الدفاع عن حقوق إخواننا الآتين من هذا البلد واستقبالهم».
(ا ف ب، رويترز)
9 تعليق
التعليقات
-
مبادرة إذعانالمبادرة مرفوضة، من المستحيل أن تجد لها أرضية بين الشعب السوري،
-
من المفيد طائف في دول الخليجمن المفيد طائف في دول الخليج أما في سوريا فقط وليس في دولهم فهذا غير عادل ...
-
مؤامرة قطرية وليست مبادرةإن الجمهورية العربية السورية دولة حرة مستقلة ذات سيادةلها قيادة شرعية مستمدة من تفويض شعبي بواسطة أرقى معايير الديمقراطية والحرية والتعدديةبظل دستور جديد أقره الشعب بالاستفتاء المباشر وليست طوائف متخاصمة لنعقد لها طائف جديد ان ما يجري في سوريا من منذ أكثر من سنة مؤامرة معروف من يقودها ويمولهابواسطةبعض الخارجون على القانون ومطلوبين للمحاكم وبعض التكفيريين ممن أععميت بصيرتهم قبل بصرهم نحن لانفاوض على سيادتنا أبدا
-
غازي دحمان - الحياةيجهّز النظام السوري، بالتعاون مع حلفائه الإقليميين، منظومة متكاملة من البلاغات والبيانات، التي تشبه البيان الرقم واحد في عصر الانقلابات، وذلك في محاولة التفافية على حقيقة الأوضاع في سورية، بقصد إنتاج حقيقة خاصة به، واعتبارها أساساً للتفاوض مع المجتمع الدولي، ومن خلفه السوريون الثائرون عليه. مفاد هذه الحقيقة سيطرة النظام على الوضع وانتهاء الأمر لمصلحته، وأن قضايا من نوع تنحي رأس النظام أو إسقاط النظام برمته، أصبحت وراءه، وما على الآخرين سوى أن يبحثوا عن مخرج «لحفظ ماء الوجه» على اعتبار أن النظام قد قضى على الثورة وانتهى الأمر إلى غير رجعة، وأن النظام، فوق هذا، خرج أقوى مما كان وعلى الآخرين أن يتحسسوا رؤوسهم!
-
اكتبوا شي بيتصدقشو يا صحيفة الأخبار هيك بلشنا نزعل منكن، شو صايرين عم تنشروا الأحلام اليلية تبعكن الصبح بالجريدة!!! متل غليون ليكس المزعوم!!
-
هل نجح الحكم الطائفي في لبنان لينجح في سورية ؟من أهم أسباب إنتشار الفساد العلني في لبنان هو تغطية المرتكب زعيما كان أو مواطنا ومن قبل طائفته ...ففرنسا التي أقامت الحكم في لبنان على أساس 6 و6 مكرر أبقته مشلولا لأن أي أمر يهم الناس لايتوافق عليه السني والماروني والشيعي والدرزي لايمر مطلقا ...فشكرا لقطر التي ساهمت بإغراق سورية بدماء الأبرياء لمحاولتها إقامة وطنا طائفيا فيها !!!
-
أذيال الخيبةإنهم يجرّون أذيال الخيبة و يجربون ما جرّبوه من أشهر: http://www.al-akhbar.com/node/45673#comment-86825 ما فعلوه في لبنان لن يتكرر في سوريا و لا يجب أن يتكرر. أما بالنسبة لأوردغان... صار يشبه البيك الإشتراكي بتصريحاته اليومية التي لا تصريف لها, ألا أنه أكثر إضجاراَ من البيك!
-
سوريا لقطر :خيطوا ...بغير هذه المِسلَّة"!أحسنت سوريا برفض الدعوة القطرية لاستنساخ "طائف لبناني" آخر يكرِّس الولاءات المذهبية والطائفية وُيقزِِم الدولة ويشل الحكم ويؤسس لصراعات وفتن داخلية وخارجية لا تنتهي. هي وصفة كارثية خبيثة لتفكيك دولة عربية مهمًَة شكلَّت منذ نشأتها ظهيراً لفلسطين ولبنان ولقضاياالتحررالعربي وإلحاقها بدوامة الصراعات الإثنية الدامية في العراق وليبيا ومصر مؤخراً. بعدماعجزت الدوحة عن إطاحة الأسد عبر التمويل و التحريض والفبركات الاعلامية "الهوليودية" الشديدة الاتقان الذي مارسته قناة الجزيرة" وأخواتها الخليجيات وفي مقدمها "العربية" تحاول الآن لعب دور "الوسيط" في حين أنها كانت و ما زالت الطرف الأساسي في تأجيج الصراع الذي تشهده سوريا الآن. على السوريين الذين عرفناهم عروبيين أحراراً صدّ الباب في وجه هذه المشيخة المتعددة الأوجه والألسن ذات العلاقات الملتبسة مع الجميع بمن فيهم إسرائيل والتي تستضيف أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط والجلوس على طاولة واحدة لحل خلافاتهم الداخلية. من غير المفهوم كيف أن الحراك الشعبي الذي سمي زوراً "الربيع العربي" لا تهب رياحه صوب قلاع أخرى لإحداث التغيير الطبيعي فيها.