عند اندلاع انتفاضة 14 شباط في البحرين، كان من الطبيعي أن تتجه الأنظار الى صحيفة «الوسط»، التي تمثّل متنّفساً للمعارضة بعد إغلاق صحيفة «الوقت» اليسارية، أقلّه لاستطلاع ما يجري في ساحات المملكة الصغيرة. لكن صحيفة منصور الجمري لم تستطع حتى أن تغمز مما يحصل من تجاوزات؛ في الأيام الأولى، كانت أخبارها وعناوينها لا تتميّز كثيراً عن المألوف، الى أن وقعت الواقعة واستبيح دوار اللؤلؤة فجر الخميس الأسود.
تبدّلت اللهجة، بدت كأنها تدخل في الثورة. تنفس المحتجون الصعداء، بات لهم رفيق. لكنّ غضبها لم يطل. صدّقت خطاب الحوار والإصلاحات، ولا سيما أن راعيه ولي العهد، الشخصية التي تستلطفها في مقابل رئيس الحكومة المتزمّت، كما كانت تدور أحاديث الغرف المغلقة عن «الوسط» ورئيس تحريرها منصور الجمري. بكلّ تجرّد، لم تكن «الوسط» راعية الثورة في البحرين. هذا لم يدع المراقبين الى الابتعاد عنها، على العكس، وجدوا في السياسة التي اعتمدها الجمري لإدارة الأزمة شرّاً لا بدّ منه. تساءل مراقب في الأيام الأولى للانتفاضة «ما عساه يفعل! مسكين منصور، هو تائه بين خيارين، إما أن يغطي الأحداث كما تستحق، حينها سيغلقون صحيفته عند الصبيحة، أو أن يحافظ على الحدّ الأدنى، عندها يضمن أن يكون هناك صوت للمعارضة. ولا بدّ أنّه وقع على الخيار الثاني».
لكنه خيار لم يبق عليه؛ أسقطت الضربة الأمنية التي نفّذتها سلطة آل خليفة كل المحرّمات. ومع دخول قوات درع «الجزيرة» الخليجية الى المملكة وشن حملة الاعتقالات وتواصل القتل وارتفاع وتيرة الخطاب الطائفي، تحرّكت «الوسط». بات للمعارضة منبر. ربما ظنّت أن انشغال الحكم بتصفية الحركة الاحتجاجية، ونجاحه في ذلك عبر الضربة الأمنية، لن يهتم لصرخات ألم المعارضة، لكنّها أخطأت. لم يكن اللافت بعدها نقل المواقف السياسية للمعارضة، وإنما تغطية الحالات الفردية التي تعرضت للقنص والقتل والاعتقال والتنكيل. كتبت لتروي حكايات الأزقة؛ كيف كان يجري القمع وكيف استُشهد فتى وامرأة، وكيف تُرك صبي لينزف حتى الموت.
لم يكن مفاجئاً أن تكتب «الوسط» للضمير وأن تُغلق.
من هو ذلك الرجل الذي يحرّكها، وكانت إقالته شرطاً كي تعود للضوء صبيحة هذا اليوم؟ إذ قالت مصادر لـ«الأخبار» إن النظام وضع خيارين أمام ملّاك صحيفة «الوسط» المستثمرين: إما إقالة منصور الجمري وهيئة التحرير أو إغلاق الصحيفة، فقرر منصور الانسحاب كي تبقى الصحيفة.
منصور الجمري هو ابن القيادي الأبرز للحركة المطلبية التسعينية الشيخ عبد الأمير الجمري. يأتي لقبه نسبة إلى القرية التي ولد فيها في 1961 بني جمرة. غادر البحرين الى بريطانيا للدراسة في عام الثورة الإسلامية الإيرانية. هناك تعرّف إلى سعيد الشهابي، قبل أن يؤسسا معاً حركة أحرار البحرين. عاد إلى مملكته في صيف 1980 فجرى التحقيق معه ليومين متتاليين وسؤاله عن سعيد الشهابي. عاد إلى بريطانيا لإكمال دراسته قبل أن يشتاق الى البحرين ويهرع إليها في صيف 1982، لكن احتُجز جواز سفره لمدة عام، ما أخّره عن العودة الى بريطانيا لإكمال دراسته. إجراءات تزامنت مع اعتقال شقيقه الأكبر محمد جميل، الذي اتّهم مع مجموعة بمحاولة قلب نظام الحكم. مسيرته جعلته في قلب حركة «أحرار» البحرين، التي صار المتحدث الرسمي باسمها. لم يغادر منصور بريطانيا إلا في 1987 لأداء فريضة الحج. حُكم غيابياً مع الشهابي في 1996 بتهمة الانتماء الى حزب الله البحريني. وفي بريطانيا، التقى بالأمير آنذاك حمد بن عيسى آل خليفة، الملك الحالي؛ كان ذلك تمهيداً لعودته الى حضن الوطن في شباط 2001 مع عودة المبعدين والممنوعين مع المشروع الإصلاحي. عاد وتصالح مع النظام. عارض ميثاق العمل الوطني، لكن التصويت الشعبي عليه جعله من الداعين إلى المشاركة في برلمان 2002 الذي قاطعته المعارضة، قبل أن تعود وتشارك في انتخابات 2006.
الرفيق السابق للجمري، سعيد الشهابي، تحدّث لـ«الأخبار» عن إغلاق «الوسط». «إنها خطوة تعبّر عن يأس واستمرار لسياسة تكميم الأفواه». ويضيف «إذا غابت «الوسط»، فإن هناك عشرات الوسائل البديلة لإيصال المرئيات».
ويشير الشهابي الى أن الصحيفة «وقعت في إشكالية أنها صحيفة للنظام وخاضعة لأدواته (في إشارة الى مالكها رجل الأعمال المؤيد للنظام فاروق المؤيد) وترى بعينه، أنه صراع الضمير والمصالح». ويرى أن أفضل شيء أنها أغلقت، لأنها لم تستطع أن تسكت عن الجرائم. ويلفت الشهابي الى تقرير نقلته الصحيفة في الأيام الأخيرة حمل عنوان «6 مقرِّرين خاصِّين بالأمم المتحدة يطالبون البحرين بالالتزام بتعهداتها الحقوقية»، وبنظره أنه كان سبباً رئيسياً في إغلاقها. عُرف عن منصور، المهندس الميكانيكي، رجاحة العقل والقدرة العالية على الإقناع. صنع الكثير من العلاقات القويّة وخصوصاً مع دبلوماسيين في الولايات المتحدة وبريطانيا.
يتحدث مراقبون عن أن منصور الجمري دخل في تحالف سرّي مع ولي العهد سلمان بن حمد، للحد من نفوذ رئيس الوزراء خليفة بن سلمان. إذ طالما استُهدف العاملون تحت جناحه، من وزراء ومسؤولين، من قبل «الوسط».
لم تتوقف الضغوط على منصور الجمري وصحيفته لحظة واحدة؛ فيما المحنة الأقوى التي عاشتها الوسط في آب 2010، حين هُدّدت الصحيفة بالإغلاق لرفض الجمري نشر صور متهمي ما عرف بالخلية الإرهابية وأسمائهم.
نجح الجمري في تجاوز تلك المحنة، لكن 14 شباط 2011 غيّر كل شيء. اتخذ قراراً جريئاً بعد مجزرة 17 شباط. لقد قرّر أن ينشر أكثر الحكايات التي حصل عليها. تلك التي تروي نزول الدبابات وقتل المتظاهرين في ميدان اللؤلؤة. ومنذ ذلك الحين، بدأ التحريض الإعلامي يزداد شيئاً فشيئاً، ولا سيما مع إلقائه أكثر من محاضرة في ميدان اللؤلؤة ووقوفه إلى جانب طموحات المعارضة.
وبإقالة منصور، يتوقع أن يغلق المنفذ المحلّي الأخير للمعارضة البحرينية، فيما لم ينس العاملون في الحقل الصحافي أنهم خسروا الرجل الأقوى والأجرأ على مستوى رؤساء التحرير والأكثر ذكاءً على تدوير الزوايا في أوقات الأزمات.
13 تعليق
التعليقات
-
لا استطيع تصديق قناة ديدنها الكذبالسلام لنقل ان ما حدث في جريدة الوسط صحيح فانها خلال الفترة الاخيرة كانت تعمل تحت ظروف قاسية جداًوهذة الاخبار المفبركة كانت من صنيعة المخابرات بامتياز سؤال لماذا جريدة الوسط تبحث عن اخبار للفبركةاصلاً عندنا اخبار تكفي جرايد الديرة كلها بس الوسط تتعرض لضغوظ كبيرة جداًوالدليل الهجوم عليها من قبل بلطجية النظام بعد منتصف الليل لتقوم بتكسير ماكينات الطباعة ماادى لطباعتها في مطابع جريدة الايام . اخيراً اذا كان للوسط خطأوعوقبت علية فنحن نريدعقوبة بالمثل لجريدة موالية تسرق صور شهيد لتنسبة لشرطي مات في الاحداث!!!
-
خبر قبول استقالة الجمري بجريدة "الوسط" ورد فعل القراءhttp://www.alwasatnews.com/3131/news/read/535635/1.html رأيت وضع الرابط أعلاه لصفحة جريدة "الوسط" لعدد اليوم الاثنين 4 مارس المتضمن خبر قبول استقالة الدكتور الجمري بعد قراءة الموضوع هنا، مع ملاحظة انني لم أكن متابعاً لإصدارات الجريدة من قبل. لكن من تعليقات القراء في صفحة جريدة "الوسط" على هذا الرابط، يمكن للمرء الخروج بقناعات واضحة حول مدى احترام القراء للدكتور منصور الجمري وإحساسهم بالخسارة نتيجة خروجه من الجريدة. وبالتالي كم اتمنى أن نعرف ظروف إعادة نشر تلك الأخبار بالجريدة كما أوردتها الصحيفة والتي لم تقع في البحرين.
-
حتى لو كان ماذكره تلفزيونحتى لو كان ماذكره تلفزيون البحرين صحيح 100%، فما تم في الوسط هو عمل استخباراتي بدرجة أولى حيث استغلوا الأمور العصيبة التي تمر بها الصحيفة وبعثوا بتلك الأخبار وقام المحرررون بنشرها من دون التأكد من صحتها بسبب نقص في عدد الموظفين وغيرها من الأمور التي كان تحاك للجريدة من ضغط حكومي عليها.
-
لقد أغلقت الصحيفة الحرةلقد أغلقت الصحيفة الحرة الوحيدة في البحرين وإن عاودت الصدور بريئس تحرير جديد. جميع الصحف الموجودة هي تابعة للسلطة ولا ينشر أي خبر بدون أذنها وكلنا نعرف حجم الأكاذيب في تلك الصحف ومحاولة التحريض وبث الفتن وإغراق البلد في وحل الحقد والكراهية. تريد الحكومة أن تسكت جميع الأصوات ما عدا صوتها تريد أن تسكت الصوت الحر وصوت الحق والصوت الذي يريد الإصلاح. لكن هيهات أن تغطى الشمس بغربال ولن يدوم الليل فلا بد من صبح قريب.
-
تلفزيون البحرين هو الأعمىتلفزيون و و كالة البحرين هما عميان القلب و الأدلة موجودة في البحرين في جروح و آلام الناس التي تطالب بالحقوق و الحرية
-
البحرينالرجاء نقل الخبر كاملا يمكنكم الإطلاع على موقع بنا لترو الأدلة القاطعة على فبركة الوسط للأخبار و ذلك بنسخ أخبار قديمة من القدس وتونس و السعودية و تغيير أسامي الأشخاص و نشرها في الصحيفة للطعن في الأمن و الإستقرار و هذا كان سبب إقالة الجمري و أعوانه من الصحيفة يا جريدة الأخبار لا أظنك تقبلي فبركة الأخبار فلماذا تدافعي عن هؤلاء الذين خانوا مهنة الصحافة؟؟ هذا الفعل ليس مقبول أبدا لدى الشعب البحريني و نطالب بمحاكمة جميع المتورطين في تلك الجريدة
-
رقصة المذبوحكان منصور الجمري يعطي لكرسي رئيس تحرير "الوسط" مكانته ولم يكن الكرسي يعطي لمنصور شيئاً. أزال النظام البحريني المرتجف خوفاً، القبة الصفراء التي تعلو قبر الشيخ عبد الأمير الجمري (والد منصور)، خوفاً من ان تلهم هذه القبة ثوار البحرين العزيمة والإصرار على المضي في طريق الحرية. ولكن هيهات يا حمد ويا كل الطغاة سيبقى الجمري الأب ملهماً لكل حر أبي، ليس في البحرين فقط، بل في كل الخليج، حتى لو كان تحت الثرى، وحتى لو أزيلت قبة قبره. فلقد حرث الخليفة العباسي قبر الإمام الحسين (ع)، وأسال عليه الماء، ولكنه بقي منارة لكل الثوار. أفعال وقرارات آل خليفة في البحرين، ومن بينها ما فعلته مع "الوسط" ومنصور، تذكرني برقصة المذبوح
-
لو لم تثبت ادانته بالدليللو لم تثبت ادانته بالدليل القاطع بتلفيق الصور والاخبار لما استطاع احد ان ينال منه لكننا رأينا الوقائع وها هي صحيفة الوسط تعود وتزاول عملها من جديد فهذا ما يسمى بالمهنية وقد ابعتد عنها الجمري
-
الطرف الآخر يقولفقط اعزائي اقرأو الخبر التالي ثم انتقلوا للرابط أدناه وأترك لكم الحكم بعد ذلك تم ايقاف صحيفة الوسط البحرينية, وإحالتها الى التحقيق, بعد أن قام احد الصحفيين العاملين فيها, بفضح تلاعب الجريدة وفبركتها لحوادث العنف الطائفية, ونسبتها الى البحرين, تأخذ الحوادث والمشاجرات التي تنشر في الصحف خارج البحرين والمواقع الإلكترونية, ثم تعيد صياغتها بما يتناسب مع البيئة البحرينية الطائفية, ثم تنشرها على أساس أنها حوادث حصلت خلال الإحتجاجات البحرينية, وتلقي بالإتهام للحكومة البحرينية, وكأنها تقوم بحرب طائفية ضد الشيعة في البحرين. http://www.bna.bh/portal/sites/default/files/alwasat.pdf