دمشق | يمكن زائر دمشق في هذه الأيام أن يتلمّس وجود أربع دوائر تؤثر في صناعة القرار السوري. ليست دوائر متصارعة، ولا متقاطعة، لكن لكل منها رأيه في ما يشهده قلب بلاد الشام منذ أكثر من 40 يوماً، وفي سبل الخروج من الأزمة التي لم تشهد سوريا مثيلاً لها منذ نحو ثلاثة عقود.أولى هذه الدوائر ترى أن الحوار هو السبيل الأفضل للخروج من الأزمة التي تعيشها سوريا حالياً. وبرأيها، فإن الحرية تعبّد الطريق أمام منعة سوريا، داخلياً وخارجياً. وبإمكان النظام أن ينفذ إصلاحات جدية من موقع القوة، على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية، «في ظل عباءة الرئيس بشار الأسد. فالرئيس محبوب، ويتمتع بشعبية مرتفعة بين المواطنين السوريين. وعندما نتخطّى هذه المرحلة، سنكون أمام سوريا جديدة، هي أقدر على مواجهة أعدائها وتحدياتها». الكلمة المفتاح لدى أصحاب هذا الرأي هي الحرية. فالمعارضة، بحسب ما يؤكدون، تنقسم إلى أكثر من جزء، يمكن في النهاية رسم خط يقسمها في النهاية إلى جزءين: الصادقون في مطالبهم السلمية من جهة، في مقابل من يأتمرون بأوامر الخارج. ويرى بعض الرجال الأقوياء في نظام الأسد أن المنضوين تحت راية الحزب الأول من المعارضة هم «وطنيون، ويشاركون النظام سياساته الخارجية ويرفضون التدخل الخارجي في الشؤون السورية». وبحسب المسؤولين السوريين أنفسهم، فإن سبل الحوار بين النظام السوري والجزء الأول من معارضته ليست مسدودة، رغم أنها تنقطع بين الحين والآخر، بفعل عوامل مختلفة. وهذا الجزء من المعارضة لا يريد سوى المشاركة في صنع القرار، ومنح الناس قدراً أوسع من الحرية، «واجبنا في الأصل أن نمنحهم إياها».
وبرأي هؤلاء المسؤولين، فإن يوم الجمعة 15 نيسان كان مثالاً يُحتذى، لناحية ما يمكن أن يُنتجه الحوار بين المعارضين والسلطة. فالتظاهرات التي جرت في ذلك اليوم (خارج درعا وبانياس) «جرت بعد جولة جدية من المفاوضات بين شخصيات موثوق بها في النظام، ومعارضين بارزين. وكان رجال الأمن بعيدين عن التظاهرات التي جرت سلمياً، وكانت معظم شعاراتها تحت سقف محدد مسبقاً، وكذلك المسارات التي تسلكها والأوقات التي تنتهي فيها». والنتيجة كانت أن أي جريح لم يسقط في ذلك اليوم. لماذا لم تُعَمّم تجربة ذلك اليوم؟ يجيب أحد هؤلاء المسؤولين السوريين بالقول: المشكلة أن ثمة في النظام من يرى في أي هدوء دليلاً على قوته. وثمة في المعارضة من يريد كل يوم رفع السقف من أجل تحسين شروط التفاوض. كذلك، يضيف المسؤول ذاته، فإن الجزء الثاني من المعارضة لجأ إلى حمل السلاح ساعياً إلى تقطيع أوصال البلاد، ونفّذ عمليات اغتيال في منطقة حمص لعدد من ضباط الجيش، ما أدى إلى حصول مواجهات عسكرية دموية.
ما هو الحل للخروج من الدوامة؟ يجيب المسؤول السوري ذاته بالقول «إننا في الدولة وفي المعارضة غير معتادين حوار الشارع. ومن أجل ذلك، على كل منّا أن يتراجع خطوة واحدة إلى الوراء، ليتّسع الشارع لطاولة نجلس إليها». لكن المعارضة لن تثق بالنظام إذا تراجعت. «هذا صحيح»، يعلّق المسؤول السوري مضيفاً: «ومن أجل ذلك، نحن نقول أن يتراجعوا خطوة لا أن يتوقفوا عن رفع مطالبهم».
أما الدائرة الثانية، فتجدها سريعاً في القيادة القطرية لحزب البعث، وفي غيرها من مراكز القوى المتجذرة في النظام. الداخلون ضمنها يرون أن البلاد تواجه مؤامرة خارجية لا غير، «وأن المعارضين لا يمثّلون، في حدّهم الأقصى، أكثر من 20 في المئة من الشعب السوري، فلماذا نقدم لهم التنازلات؟». معظم أصحاب هذا الرأي هم من الحرس القديم، ممن لا يجيدون التلفّظ بكلمة فايسبوك. يقولونها «مشقلبة»، قبل أن يصحّحها لهم من يجلسون قربهم. والمفاجئ أن هذه الفئة من المسؤولين السوريين تؤمن أيضاً بما تسميه «الحوار»، لكن على طريقتها. فهم يلتقون في مكاتبهم وجهاء بعض القرى والبلدات والعشائر، ليفاوضوهم على بعض القضايا الاجتماعية والمعيشية، من دون التطرق إلى كل ما له صلة بالسياسة التي لا وجود لها في قاموسهم. والمسؤولون ذاتهم يرون أن الحسم العسكري هو الحل الوحيد للأزمة الدائرة في البلاد.
أما الدائرة الثالثة، ففيها جيل وسطي من أولاد النظام السوري، ومن أبناء الطبقة الوسطى التي تناصر الحكم عامة، والرئيس بشار الأسد خاصة. وهؤلاء كثر. تجدهم في بعض مفاصل الحكم والأجهزة الرسمية، لكنّ أكثريتهم خارج إدارات الدولة، وبعيدون عن الحزب الحاكم. وهذه الفئة تؤمن بأن سوريا تغيّرت، وأن على النظام أن يبادر إلى إصلاح جدي على كافة المستويات. همّهم اليوم «أن يتوقف نزف الدم، وأن يعود الأمن إلى البلاد»، يقول أحدهم مضيفاً: «الوقائع أظهرت أن في سوريا انقساماً جدياً، وأن استمرار الوضع الحالي لن يوصلنا إلا إلى الفوضى». والخروج من الأزمة الحالية لا يكون إلا بضبط الأمن في البلاد، ثم البدء بخطوات تريح المواطنين السوريين، على المستويين السياسي والاقتصادي.
أما الدائرة الرابعة، فتبدو للناظر من بعيد أنها صاحبة الكلمة العليا اليوم. وفي هذه الدائرة تنضوي القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المتعددة. عند رجال هذه الفئة، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة. يجيبون على سائلهم بأسئلة: ما رأيكم في ما يجري في بلادنا؟ وعندما يصل الحديث إلى مرحلة خطأ القمع الذي جرى في درعا، يجيبون بسؤال ثانٍ: وهل ما حصل في درعا هو سبب كل هذه التطورات؟ يبدأون بالحديث عن تفاصيل «المؤامرة». يرون أن اضطرابات درعا أفسحت في المجال أمام ظهور تفاصيل «المؤامرة» على السطح. يتحدثون عن روابط وثيقة بين ما يجري أمنياً في المناطق السورية، من درعا إلى تلبيسة (قرب حمص). يُبرزون صور جثث مقطّعة «عائدة إلى رجال أمن وعسكريين»، قبل أن يدلوا بما يقولون إنها «معلومات موثوقة عن توقيف أجانب كانوا يقاتلون في عدد من مناطق حوران، وسيظهرون على وسائل الإعلام تباعاً». يجزمون بأن ما يُحكى في بيانات الجيش السوري ووسائل الإعلام الرسمية وشبه الرسمية عن الشبكات الإرهابية والمسلحين هو أقل بكثير مما كشفته الأجهزة الأمنية والعسكرية وضبطته.
لكنّ الأمنيين السوريين ذاتهم لا يضعون كل المعارضة في سلة واحدة. فهم يرون أن عدداً من الشخصيات والتنظيمات (المحظورة طبعاً) صادق في ما يطالب به، قبل أن يسارعوا إلى تذكير سامعهم بطبيعتهم: «إنما الأمن خط أحمر. وما قمنا به في درعا ليس إلا لأن البعض أراد تحويل المدينة إلى بنغازي ثانية. وفي المقبل من الأيام، لن نسمح للمسلحين بالسيطرة على أي شارع في أي قرية».
حتى اليوم، يبدو النظام السوري كمن اختار التأثر بالآراء الأربعة مجتمعة، في آن واحد. يقمع في درعا وغيرها، يتساهل في ميدان قدس أقداسه، العاصمة دمشق، ويحاور أعيانها وأهل الأطراف الشمالية للبلاد. يحصل ذلك على أمل منه أن تخفت الحركة الاحتجاجية يوماً بعد آخر. وامتحان هذه المعادلة أسبوعي، كل يوم جمعة، بعد الصلاة.
الإخوان الكردستاني
يصعب العثور بين رجال النظام السوري على من يُدافع عن الموقف التركي. يُستفز المقربون من دوائر القرار في دمشق من الدور الذي يريد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أن يؤديه: «لا نقبل بأن يقدم أحد نفسه وصيّاً علينا. ولسنا بحاجة إلى نصائح مَن يخرج كل يوم ليقول أمام وسائل الإعلام إنه طالب سيادة الرئيس بكذا وكذا»، يقول أحد المسؤولين السوريين متبرماً. لكن الفرس السورية ـــــ التركية تبدو مربوطة عند «الإخوان المسلمين»؛ إذ يشير مقربون من أروقة القرار في دمشق إلى أن «سبب الضجيج الإعلامي التركي» يعود إلى رفض النظام السوري التفاوض مع الإخوان في تركيا، بعدما سمعت أنقرة من دمشق كلاماً واضحاً مفاده: الإخوان في سوريا خط أحمر، تماماً كما حزب العمال الكردستاني في تركيا.
17 تعليق
التعليقات
-
مؤامراتأوكد لكم أن الادعائات السوريه بوجود مؤامره لااساس له من الصحه وهي عباره عن ادعاءات كاذبه هدفها تبرير قتل الناس واللجوء للعنف ضد المتظاهرين وهي ناتجه عن عقليات مريضه تعيش منذ 40 سنه في جو المؤامرات الكاذبه التي لاتوجد الا في عقولهم المريضه
-
اصدقاء الأمس اعداء اليوميسيس السوريون جميع اصدقاءهم ... فمن كان صديق الأمس .. كأردوغان و الجزيرة .. اذا ما نطق بالحق اليوم او خالف حكوماتنا الرأي ينقلب بقدرة قادر لعدو ... أردوغان محبوب السوريين (سابقا) يدافع عن حق السوريين اليوم فيصبح عدوا .. و الوائر الاربعة التي ذكرت ناقصة ...أين دائرة الثوار المطالبين بتنحي نظام قتلهم و سفك دماءهم ؟؟ اين دائرة المعارضين سرا و الخائفين علنا ..الذين يودون اسقاط النظام و لكن يخشون الفوضى و التغيير ..و يقبلون النظام على مبدأ : مارح يجي احسن منه ؟؟؟
-
اردوغان لن سلطانا عثمانيا لاننا لم نخضع للسلاطين يوماعندما يرى اردوغان نفسه سلطانا عثمانيا يصدر فرمانات ويرى تركيا الباب العالي احتلال عثماني يحق له التخل في البلدان الاخرى لن يجد من يقول له نعم انت السلطان خلصنا يروح يحل مشاكل تركيا بالاول وبعدين يجي ينظر علينا وكرما الله حلوا عنا
-
اردوغان صار "كخه"؟عجيب! من حبث المنطق ربط المواقف بالمواقف يعني أن نعود بالذاكرة قلبلا لنقرأ ما كنا نقول عن اردوغان وعن تركيا فقط في العام الماضي.. نسينا أم أننا نضع رؤوسنا في الرمال، كما عادتنا معهم معهم وعليهم عليهم؟ ثم، من هو الذي يصنف مواقف هذا وذاك على مقاسات مواقفنا مخطئ! فلا اردوغان متآمر ولا عزمي بشارةصار "مفكر سابق" وشيطان الان.. شي شوية احترام لعقولنا يا ناس يا عالم لأننا كلنا سنصير متآمرين فجأة! عاش نفق درعا- المكسيك وعاش إعلامنا الذي يرى كل الاعلام الاخر غير موضوعي وغير مهني وعليه ان يتعلم من إعلامنا، حتى مؤسسة بي بي سي والجزيرة ،وأمير قطر صار أيضا متآمر ونسينا؟ يا جماعة شو العقل زينة فعلا!
-
4 يربح...على افتراض أن الدوائر هي أربعة وليست أقل، يبدو أن الدائرة رقم 4 توسعت حتى أنها تكاد تبتلع شقيقاتها الأخريات والدليل على ذلك، إلى جانب انفلاش الحملات الأمنية، اجتياح أصحاب نظريات المؤامرة والسلفيين والاندساس لمختلف وسائل الإعلام السورية "غير الرسمية"، اجتياح أغرقها بالتعليقات والمقالات الاتهامية والقمعية والتخوينية وكل ما يخطر ببالك من مرادفات أخرى لكل من يجرؤ على أن يهمس بكلمة تخالف أصحاب هذه الدائرة (أو المربع بمصطلح هؤلاء إذا شئت)، اجتياح كبير إلى درجة أنه طف على وسائل الإعلام المجاورة (الأخبار مثلاً). لا يمكن لأحد أن يتكهن بالمآل النهائي للأمور. ولكن، على المدى القريب، يبدو أن الأربعة تربح...
-
محافظة جديدة صرنا 15 محافظة باركولناو الله يا جريدة الاخبار عنا مشكلة في 3 ضيع ببانياس عاملين استقلال حقيقي حارسين حدود الضيع بالسلاح ما بسلموا يلي عملوا الكمين بالجيش و بيحبوا يقطعوا الطريق الدولي من حين لاخر وما بيمنع انو يطلقوا النار عليه من بعيد و قتلوا كم واحد عالهوية و عملوا شغلة كتير مهضومة انو كان في شهيد للجيش استشهد بريف دمشق و اهلو اخدينو عالدفن بمحافظة اللاذقية قام المتثورين و قفوا سيارات التشييع و اخدوا اخوالشهيد و ابن عمو و قتلون بدنا نصيحتكون كيف بتحبوا الدولة تتعامل معون و مع مين بتحبوا تتحاور فيون
-
مجزرة الارمنيجب ان يعرف اردوغان ان الوصاية العثمانية انتهت-الصداقة شيء ومصلحة سورية وقرارها المستقل شيء اخر- اذا اراد ان يذكرنا بمجزرة حماة فنحن لا ننسى ايضا ان اكبر مجزرة في التاريخ الحديث هي مجزرة الارمن-- فليعط اردوغان حقوق للا قليات في بلاده قبل ان ينصح غيره لا مكان للاحوان بيننا-فشروا الف مرة
-
تكون دائما تقارير حسن عليقتكون دائما تقارير حسن عليق خارج الوقع و كأنها مكتوبة من شخص مقيم في مكان ما في بيروت و يريد ان يتفصحن فيكتب عن الواقع السوري بغير دراية
-
حمى الله سوريةاستاذ عليق: للمراهين على ثورات الغضب ،الصمود،الخ كل جمعة ـتشاهد حصريا على قناة الثورة الجزيرة ياشراف القرضاوي -نقول لهم خلص واصبحت بايخة.المعطيات على الارض تغيرت.هناك فجر جديد .لذلك ياصديقي عليق تحليلك خاطئ وستثبت الايام صحة ذلك.على فكرة هل اطلعت على تصريح السفير الامريكي في دمشق؟ حمى الله سورية وشعبها الابي.
-
ان تَقبلو ان يذلّكم محتلان تَقبلو ان يذلّكم محتل اجنبي فهذه خيانة(طبعاً) ان تَقبلو ان يذلّكم حكامكم، فهذه عروبة وممانعة!
-
الموقف التركيسيد اردوغان منذ بدء الازمة لفت انتباهي تصريحاتك ذات الطابع الطائفي وتدخلك السافر بالشان السوري بصيغة الامر وتغاضيك الكلي عن كل ماحصل من قتل ودعوات للجهاد والفتنة. مجازركم تجاه الارمن الاكراد حقيقة ثابتة وعنصريتكم تجاه اهل الا سكندرون امر مخزي تعلم من التاريخ انها دمشق عاصمة الامويين و نبض العروبة.سورية ليست مصر/ ليبيا اي نحن ضد عودة العثمانيين الجدد.
-
حوار بالجزمةشو حربوق ياحسن ! قدرت تبلف الجهات الأربعة وتكسب بعض ثقتها تحية