![](/sites/default/files/old/images/p15_20101112_pic1.jpg)
جوان فرشخ بجالي
ساحل علما، منطقة قد لا يعرف الكثيرون موقعها. فهي تلك التلال التي تفصل بين جونية وكازينو لبنان على الطريق الدولية بين بيروت والشمال. قربها من الطريق الدولية حوّلها منذ أكثر من عقدين إلى منطقة سكنية مرغوبة، فاستهدفها المقاولون، وخصوصاً أنّ موقعها الجغرافي مطل على خليج جونية وتعطى رخص البناء فيها لعشر طبقات، مع السماح باستعمال مساحة العقار. فبسرعة كبيرة، تحولت التلال الخضراء إلى غابات باطون. الكثافة السكانية مرتفعة جداً، والمساحات الخضراء باتت نادرة جداً، إلا في العقارات التي تحوي بيوتاً قديمة. من هنا، بدأت عملية استهداف هذه البيوت. وفي أسبوع واحد خسرت ساحل علما اثنين من بيوتها التراثية ذات القرميد الأحمر والثلاثة قناطر المنحوتة في الحجر الأبيض. بيتان كانا بحالة جيدة جداً، لكن «لعنتهما» أنهما محاطان بحدائق تمتد مساحتها إلى أكثر من 2700 متر. بيتا عائلتي مطر ومراد السابقين هدمتهما، في أقل من ساعة، شركة المقاولات التي اشترت العقارات.
ارسلت وزارة الثقافة كتاباً بالمحافظة، فعمل على هدم المبنى من دون الحصول على الاذن
حتى إنهما لم يُفرَغا من شبابيكهما وأبوابهما الخشبية. حتى البلاط الملون لم يرفع من الغرف كلها. هكذا، بكل بساطة، دخلت الجرافة العقار، رفعت رفشها وضربت القرميد أول مرة، فوقع الجزء الشمالي، ثم ضربة أخرى معاكسة، فوقع الجزء الجنوبي، وانتهت القصة. القصة التي كانت قد بدأت حينما اتصل بعض أهالي ساحل علما بالمديرية العامة للآثار، طالبين منها الحضور إلى البلدة للاطلاع على بيوتها القديمة ظناً منهم أنها مهددة. فتوجه فريق مختص من المديرية إلى المكان وجال على العقارات أكثر من مرة، ورفع تقريراً إلى وزارة الثقافة، طالباً فيه «عدم هدم البيوت، والعمل على المحافظة عليها لأنها ذاكرة المنطقة»، كما تؤكد المهندسة المسؤولة عن الملف أسامة كلّاب. هذا ما دفع الوزارة إلى إرسال كتاب إلى بلدية جونية، طالبة منها عدم إعطاء الإذن بهدم المبنى في العقار الرقم 140. لكن يبدو أن البلدية لم تتسلم الرسالة، ولم تعرف بها ولا بفحواها، فهدم البيت دون رخصة! وبات اليوم العمل مركّزاً على توفير شارٍ للحجارة القديمة! ويخبر أبناء المنطقة أن عملية الهدم أتت بالتواطؤ مع مخفر الدرك الذي طلبه السكان، فوصل بعد 3 ساعات، وقبل أن تتوقف الدورية بدقائق، ترك سائق الجرافة المكان. هكذا، حينما وصلت السلطة كان التدمير حاصلاً لا محالة! والمضحك المبكي هو أن الوقاحة أخذت بالمقاولين إلى درجة إعادة الكرة في العقار الرقم 389. الطريقة نفسها، المبدأ ذاته: سياسة الأمر الواقع التي تفرض على وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار. كأنما السؤال هو: ماذا ستفعلون الآن؟ ما هي سلطتكم، ونحن نتحكّم في الرشى والمنطقة؟
![](/sites/default/files/old/images/p15_20101112_pic1.jpg)
بات من غير المقبول أن تخسر ساحل علما، والمناطق اللبنانية الأخرى، طابعها التاريخي وتتحول إلى مجرد أحياء ذات مبانٍ عالية. ما يجري في ساحل علما هو مثال لما يجري في المدن اللبنانية. مقاول نافذ في منطقته يطبق القانون الذي يراه صائباً، وتذهب جهود وزارة الثقافة سدى، إلا إذا قررت أن تلاحق هؤلاء على هدمهم أملاكاً تراثية من دون طلب الإذن بذلك.