لا تلبث تلك الفتاة الرقيقة أن تراني. تهرع إلي لتُخبرني بصوت مخنوق: «سيقطعون يدَ جواد». يسقط الخبر كالصاعقة، فلا أكاد أقوى على الوقوف. سمعت وقررت ألّا أُصدّق. أغلقت أذني وأردت أن أهرب، لكن صوتاً بعيداً ذكّرني بأني ملجأ الأمان الوحيد لهذه الفتاة الباكية التي تُمسك رقبتي وتغرق بالبكاء. تمالكت نفسي بدعم خفي. صار همّي الوحيد أن أحيط شقيقتي بساعدي. أصبحت هي الدنيا. حاولت أن أحتويها، فغبنا في عالم ليس فيه غير
الدموع.
لم أعرف كم مرّ من الوقت. اختفت الفتاة الباكية ليحلّ محلّها أشخاص غُرباء يُحدّقون بي بتوتر. لا أعرف ماذا يريدون. يرتدون مراويل خضراء وكمّامات بيضاء. نظراتهم مربكة ومزعجة. تمرّ لحظات صمتٍ أتفحّص فيها وجوههم محاولاً التذكر إن كُنت قد رأيتها من قبل، فتقطع يد أحدهم حبل تفكيري وتعيد تركيزي إلى ما حولي. تضغط على كتفي برفق قبل أن يأتي صوت عميق من رأس ذلك المخلوق الأخضر: «عليك أن تأخذ قرارك بسرعة، الوقت يدهمنا وشقيقك نزف الكثير من الدماء».
لماذا يريدون قطع يد صغيرة ناعمة؟
الدموع.
غادرت العالم الحقيقي، ودخلت إلى ذاكرتي. كان الصغير يريد أن يصبح ضابطاً في الجيش. تذكّرت أيضاً أنه طلب أن أُحضر له غيتاراً في عيد مولده الذي يصادف بعد شهر ونصف. ارتسمت على وجهي ضحكة، ذهبت بها موجة من البكاء المرير، على قدر، ربما يصبح محتوماً بعد ساعات من إجراء العملية. هل يقبل الجيش رجلاً بيد غير صالحة، وهل تستطيع أصابعه المتعبة أن تعزف على أوتار الغيتار الذي طلبه؟ مرّت ثلاث ساعات سألت فيها نفسي أسئلة صعبة... ومبكية. يطلب الطبيب رؤيتي لأمر طارئ. يخبرني بأنه استبدل عظم الكف المطحون بكفّ حديدية. يقول إن ثمة أملاً. ربما ينمو العظم خلال ثلاثة شهور. يوصيني بالدعاء فأشكره وأستدير لأذهب، لكنه يمد يده لي بعلبة طالباً مني أن أدفن محتواها.
أسأله عن محتواها فيخبرني أنه أحد أصابع شقيقي الصغير.