أبيض وأسود في وادي البردوني
عفيف ديابذكريات الزمن الجميل كانت وجبة دسمة مع أرشيف جان عرابي
ترفض السيدة السبعينية تناول الغداء و«الكبة الزحلاوية»... فذكريات الزمن الجميل كانت وجبة دسمة مع أرشيف جان عرابي (54 عاماً) الذي يحتفظ بآلاف الصور من أيام «الأبيض والأسود» لزبائن عبروا قبل أن يهاجروا إلى بلاد الله الواسعة. ويقول: «أنا ولدت هنا. أعرف كل الناس، احتفظ بصور كثيرة أعرضها أمام الجميع، وأمام كل من يريد صورته وهو شاب أو طفل.. لا يمكن أن أنسى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وأحمد شوقي وفيروز والعشرات من أساطين الفن العربي. ولا يمكن أن أنسى وجوه كل الزوار منذ أن كانوا أطفالاً مثلي يوم كنت ألعب هنا معهم بين الطاولات. فحين يدخل أناس، وخاصة من المهاجرين والمغتربين، أنشّط ذاكرتي التي تسعفني كثيراً في إيجاد صور لهم يوم عبروا قبل سنوات وسنوات من هنا». «عبور الذاكرة» في وادي زحلة لا يقتصر على صور الأبيض والأسود فحسب، بل يتحول إلwى جسر للقاء أحبّة وأهل فرّقهم الزمن. فجورج مسعد (73 عاماً)، البرازيلي من أصل لبناني، لم يلتق بأحد من أقربائه منذ أن غادر طفلاً مع والديه إلى البرازيل قبل عقود سبعة. فهو يخزّن في ذاكرته أن في زحلة أقرباء له. قادته الصدفة إلى أن يزور وادي البردوني مع مجموعة من البرازيليين كانوا يحلمون بزيارة قلعة بعلبك بعد أن «تقاعدوا». يدخل جورج حاملاً كل هموم عمره في البرازيل.. وآلة تصوير فوتوغرافية تعود إلى زمن السبعينيات داخل كيس أسود. يرفض الجلوس لتناول الطعام، مفضّلاً البحث عمّن بقي حياً من أقربائه في المدينة أو يمتّون إليه بصلة قربى. يرشده أحد عمال «عرابي» إلى طاولة زحلية. يخاطب ناجي غانم وسامي عرابي «أنا جورج مسعد من زحلة.. وأمي من بيت حاتم. بدّي شوف حدا من أهلي هون.. ولاد خالتي أو أي حدا من قرايبي يمكن يكونوا بعدن هون». يسارع ناجي إلى الاتصال بالمحامي ربيع حاتم الذي يحضر على الفور مع والده. يلتقي جورج بمن يرضي غروره وحلمه. عناق رفد نهر البردوني ببعض من حنين انتهى مع عودة جورج إلى مسقط رأسه «الأصلي» في سان باولو، بعد أن شمّ «ريحة» أقرباء أهله في وطن «مرقد العنزة».