صيدا ــ خالد الغربي
«فار» أبناء حيّ نهر الفوّار الشعبي في مدينة صيدا. لم يعد بمقدور هؤلاء الفقراء التغاضي عن إهمال الدولة المزمن لهم، بعدما فاق هذا التغاضي حدود احتمالهم وصبرهم. ثمة مأساة حقيقية هناك تتمثل في الغياب الكلي لشبكة بنى تحتية سليمة، وحدهم يعرفون أزمة غيابها. وكأن الفقر لا يكفي سكان الحي، حتى تضاف إليه مشكلة الطرق المنخورة بالحفر والعيش على ضفتي نهرٍ يغرقهم شتاءً بمياهه الممزوجة بالصرف الصحي ويخنقهم صيفاً برائحته النتنة وحشراته القاتلة.
ما إن يشاهد سكان تلك المنطقة وسائل الإعلام، حتى يسارعوا للحديث عن أزمتهم مع البنى التحيّة، فيقول أحدهم «جئتم والله جابكم، بدنا نفش خلقنا». إلى جانب هذا الرجل الذي رفض ذكر اسمه، تقف المرأة السبعينية أم سليم بشناق، محاولة شدّ الانتباه إلى ما تقوله. تصرخ المرأة قائلة «تعوا شوفوا هالمصيبة»، لافتة بعصاها التي تتكئ عليها إلى مجرى النهر الذي تقع على ضفتيه عشرات المنازل السكنية. تشير إلى «المياه التي اختلطت بمياه مجارير الصرف الصحي، المحولة من بعض المنازل نتيجة غياب شبكة بنى تحتية، ومنظر الأخشاب والأوساخ المرمية». أما الرائحة الكريهة المنبعثة من النهر، فـ«تزكم الأنوف»، تقول بشناق. وترى المرأة السبعينية «أن باستطاعة المسؤولين تخليصنا من كل هذا، من خلال استكمال بناء العبارة التي بدأوا بها قبل سنوات، والتي تقضي بتغطية ما بقي من المجرى». تتوقف فجأة لتقول: «لكننا لا نعرف من المسؤول اليوم، فالطاسة ضايعة بين من يقول إن الحل بيد إحدى البلديات الثلاث: صيدا وحارة صيدا والمية ومية، ومن يقول إنها مسؤولية وزارة الأشغال». وبين «حانا ومانا»، يضيع الأهالي، فلا يجدون أمامهم سوى التركيز على بلدية حارة صيدا التي تتبع لها عقارياً محلة الفوار لمطالبتها «بالاهتمام الجدي بأمورنا في الحي ومنع المصطادين في الماء العكر من استغلال هذا الإهمال وتبيانه وكأنه عقاب من بلدية الحارة لسكان المحلة المنتمي معظمهم إلى مذهب معيّن»، يقول جمال عابد. ويلفت عابد إلى «أنه إذا تحركت البلدية فإنها ستقطع الطريق على هؤلاء المستغلين». أما أبو محمد الراعي، فلا يعفي أحداً من مسؤولية الوضع البائس الذي يعيشه سكان الفوار فبادر إلى القول: «لا نواب ولا رؤساء بلديات ولا وزراء ولا حتى بلدية صيدا، باعتبار رئيسها السابق هو رئيس لاتّحاد بلديات صيدا ــــ الزهراني، مهتمون بوضعنا».
الطاسة ضايعة بين بلديات صيدا وحارة صيدا والمية ومية