محمد بنعزيز *
ليشغّل المقاول في الظروف التي يراها مناسبة وفي أيّ حفرة يريد وليمنع تأسيس النقابات
لا مشكلة، المهم أن يرضى العشيق المدلل ويشغّل الناس، وهو يشغل، لكن لا داعي للتدقيق في شروط التشغيل وحقوق العمال. فقد يزيد ذلك أعباء العشيق فيفلس، لذا فليشغّل في الظروف التي يراها مناسبة، فيمنع وجود ممثلي النقابات في مقاولاته، ويدفع الأجور التي يقدر عليها، ولا داعي لأن يصرّح عن عماله في صندوق الضمان الاجتماعي، وليشغلّهم في أي حفرة يريد، وإذا حصلت حوادث شغل فهي لا تنفي حرص المستثمر على جلب الخير للمجتمع. وقد حصل أن احترق 55 عاملاً في مصنع للمفروشات في الدار البيضاء لأن المبنى يفتقد شروط السلامة... ثم انهارت عمارة في طور البناء وقتلت 18 عاملاً بسبب تغيير في ارتفاع السقف... لا مشكلة، فالمقاول يشغّل الناس في سبيل الله.المغرب: قصّة عشق بين الحكــومة والمقاول
مسكين هذا العشيق. رغم جهوده جاءت الأزمة. لكن الحكومة وفيّة، فقد قررت خفض ضريبة الدخل على الموظفين بنسبة 2% بينما حظيت الشركات بخفض 10% من الضريبة على الأرباح. لكن الأزمة قائمة والعشيق يستغيث، وهو يريد النقود نقداً لكي لا يفلس. وقد حصل عليها علامة على حرص الحكومة على حماية النسيج الاقتصادي وتثبيت التشغيل وترسيخ الاستقرار الاجتماعي الذي تنعم به البلاد.
هذا منطق يسير على رأسه، بفضله اغتنى المقاول لأنه اتضح أن المؤسسات التي اشتراها من الحكومة بدرهم رمزي، توجد على أراضٍ تساوي مليارات. وبفضل هذا المنطق أيضاً، استفاد العشيق من الاحتكار الذي مورس تحت ذريعة حماية الإنتاج الوطني، عندما جاءت العولمة وظهر أن هذا الإنتاج عاجز عن المنافسة ويجب دعمه ليزيد غنى المقاول. وبفضل الأزمة العالمية، حصل المقاول من حبيبته على مساعدات جديدة. وهكذا، بدل أن تساعد الحكومة أبناءها الفقراء، أهملتهم وقالت للمقاول الغني هيّأت لك. واللحظة الأجمل هي عندما يتعارك رجال الأعمال وينشرون غسيلهم في الصحف، حينها تنكشف الرؤية للشعب، ويدرك متأخراً من أين قدّ الذئاب قميصه.
آخر هبة تسلّمها العشيق هي 3853 هكتاراً لتوسيع الوعاء العقاري وتوفير سكن بسعر معقول للطبقة الوسطى، كما تسلم الحبّوب دعماً مالياً للمقاولات «المتعثرة».
توسع الوعاء العقاري وثمن الشقق لم ينخفض لأن المضاربة هي المشكلة لا الوعاء العقاري، فمساحة المغرب كبيرة وليست الأرض هي ما ينقص، لذا ستستمر الطبقة الوسطى في الانقراض بدل أن تتفرغ للاستهلاك والتعلم والتفكير.
مقاولات متعثرة أي لديها خسائر، وهذه تسمية ممتازة لتراجع الأرباح. فشركة تربح مليارين سنوياً مثلاً، ربحت في 2008 ملياراً فقط، وهي تعلن أن خسائرها بلغت 50%! وهذه طريقة جحا في الحساب. إذا كانت هذه خسائر، فماذا سيقول المواطن الذي كان يشتري كيلو البطاطس بنصف دولار ثم صار يشتريه بدولار مع أن دخله بقي ثابتاً؟
في صيف 2008، عندما بلغت أسعار الدقيق والأرز أرقاماً قياسية وبدأ شبح المجاعة يخيم، حينها لم يهبّ قادة الدول للاجتماع، لأنه إن زاد الجياع مليوناً أو عشرة ملايين فلا مشكلة. حينها كان المضاربون يحصدون الأرباح، وحين احتج الناس كان الجواب «إنه قانون السوق». لكن حين انفجرت فقاعات المضاربة، عقدت القمم وصدرت البيانات السياسية... للتدخل في السوق وإنقاذ عشيق حكومات العالم: رجل الأعمال. أما الفقراء، فلهم الله، وفي المغرب مثلاً، فهم يعتمدون على شعير أرضهم وسردين بحرهم أكثر مما يعتمدون على بورصة أميركا وقمة العشرين.
فوائد قروض الاستهلاك التي تقدمها شركات التسليف المغربية تبلغ 15.5%، وبنوكنا لا تقدم القروض العقارية غالباً إلا للموظفين الحكوميين وحسب مستوى أجورهم، والبنك يحتفظ بحق الاقتطاع من الأجرة، كما يحتفظ بعقد الملكية رهينة لحين تسديد القرض كاملاً. لهذا لم ولن يفلس أي بنك، بل إن البنوك المغربية تحقق الأرباح سنوياً وبشكل تصاعدي على حساب الشعب، ولو تعلمت منها نظيرتها الأميركية، كما تتعلم الاستخبارات الأميركية أساليب التحقيق الفعالة من الاستخبارات المغربية، لما حصلت أزمة الرهن العقاري!
واضح إذاً أن عشيق الحكومة المغربية محميّ، فسبل الاستثمار تمهّد له، والأراضي تفوّت له، والقوانين تفصّل على مقاسه علّه يرضى.
أما إن ضحّى وعمل في الشأن العام، فهو يريد تعويضاً، وهذه حال رجل الأعمال إدريس جطو الذي عمل وزيراً أولاً بين 2002و2007، تقاضى خلالها 10000 دولار شهرياً إضافة إلى سكن وسيارات... لكن في آخر ولايته، توجه إلى ملك البلاد يطلب منه تعويضاً لأنه انشغل بالعمل الحكومي عن تطوير شركاته، وهذه خسارة كبرى، وعليه، يجب على المغاربة أن يتحركوا ليعوضوه عن المدة التي خدمهم فيها. وبالفعل استفاد الوزير الأول السابق من العطف الملكي وحصل على عدة هكتارات في مراكش وعلى إلغاء فوائد عدد من ديونه تجاه البنوك.
عشيق الحكومة هو سوبرمان المرحلة، ترشحه الأحزاب بدل مناضليها، يملك اليخوت والطائرات ويتزوج أجمل الراقصات مقابل ملايين الدولارات، والاقتصاد السياسي في خدمته، وهو بصدد تحويل كل مؤسسات المجتمع لتصبح على شاكلة مقاولته، من المدرسة حتى الحزب، وذلك في عصر يُقوَّم فيه الناس على أساس ما يملكون، عصر يُعتبر فيه جمع النقود ـــــ كما قال دوستويفسكي ـــــ فضيلة.
* صحافي مغربي